الأحد، 20 مارس 2011

الظروف تتشكل والمناخ يتهيأ لقيام الدولة الاسلامية العظمى

يلاحظ المتابع الواعي لمجريات الأحداث في المنطقة الاسلامية بعد 11 سبتمبر 2001 أن تغييرات جوهرية قد حدثت في المنطقة، ويلاحظ أيضاً أن المناخ العام في المنطقة يتهيأ بشكل متسارع لاستقبال الدولة الاسلامية، وأن هذه الدولة ستظهر دول عظمى ومنذ الشهور الأولى لولادتها. وعلى الرغم من أن هذه الحقيقة نجزم بها قبل 11 سبتمبر إلا أن الكثير من الأنظمة السياسية قد ظهر للمتابع الواعي تصدعها بشكل يسهل كسرها، وأن هذه الظروف كلها قد تجمعت في نتيجة الأحداث التي لحقت 11 سبتمبر 2001.

أما وصف ذلك بشكل دقيق فإن المنطقة الاسلامية قد ظهرت فيها أعراض فراغ قاتل للأنظمة الحاكمة وقد اندفعت أقوى دول العالم من أجل ملئه ففشلت في ذلك فشلاً ذريعاً، وهذا جلي في العراق وأفغانستان وفلسطين، ولكنه موجود في كافة بلدان المسلمين وإن بدرجات متفاوتة.

أما كيف تسلسلت الأحداث حتى قبل 11 سبتمبر لتصنع هذا الفراغ الذي ينتظر من يملأه فإن ذلك يمكن متابعته وتبيانه على النحو التالي:  
كانت المنطقة الاسلامية والتي يسمونها غالباً بالشرق الأوسط منطقة نفوذ للقوى الاستعمارية الغربية طوال الفترة التي تلت هدم الخلافة العثمانية، ولم تخرج هذه المنطقة من تلك الحقبة بعد. وكانت الدولة المسيطرة في قطر ما تساعد عملائها في ذلك القطر حتى يبقى حكمه قوياً مستقراً ولا تطمع دولة او دول أخرى بالسيطرة عليه. وفي إطار الصراع بين تلك الدول الغربية المستعمرة فيما بينها كانت تحاول إحداها إيجاد الفراغ في بلد ما من أجل خلخلة نفوذ الحكام في ذلك البلد. أي أن الدول الكبرى كانت تتعمد إيجاد الفراغ السياسي أو العسكري أو الاستراتيجي في بلد ما تمهيداً لإدخال نفوذها وملئ الفراغ به في ذلك البلد، على أمل أن تقضم ذلك البلد من نفوذ الدولة المنافسة وضمه الى مناطق نفوذها في المنطقة الاسلامية. وباستثناء أعمال سوفييتية غير متواصلة في إيران وأفغانستان، وباستثناء أعمال فرنسية في المغرب العربي ولبنان وبشكل أضعف في مناطق أخرى، فإن الصراع في المنطقة الاسلامية كاد ينحصر بين بريطانيا وأمريكا. وعلى الرغم من اتفاق الطرفين الضمني على عدم السماح بإدخال النفوذ السوفييتي الى المنطقة الاسلامية ومقاومته بشراسة بحكم وجودهما في المعسكر الغربي المناهض للاتحاد السوفييتي، إلا أن حرباً ضروساً كانت تدور بين هاتين الدولتين الغربيتين في المنطقة، وكان حكام المسلمين العملاء وجيوشهم هم أدواتها.
وعلى الرغم من سقوط بريطانيا من الدول العظمى بداية الستينات من القرن العشرين بعد اتفاق العملاقين السوفييتي والأمريكي على حصر السياسة الدولية بهما، إلا أن عصب القوة البريطانية والمتمثل بعملائها في الشرق الأوسط وإفريقيا ظل يرفدها بشريان العظمة، فظلت دولة عظمى لها تأثير فعال في العالم بالرغم من اتفاق العملاقين على إخراجها من السياسة الدولية.
وبسقوط الاتحاد السوفييتي طمحت بريطانيا أن تعود للحلبة الدولية بزخم كبير، إلا أن إصرار الولايات المتحدة على التفرد بالسياسة الدولية قد حرم بريطانيا من أي أمل حقيقي في العودة للمشاركة في رسم السياسة الدولية، بل إن الولايات المتحدة قد شرعت فعلاً في قطع شريان العظمة لبريطانيا. وقد تجلى الإصرار الأمريكي في التفرد في حرب إخراج العراق من الكويت، وبدأت بعدها الجهود الأمريكية لإيجاد الفراغ في العراق، وكانت تلك الجهود فعالة لدرجة أن عراق صدام حسين قد أصبح منهكاً بالفراغ العسكري الذي أوجدته السياسات الأمريكية بعد حرب الكويت والذي تمثل في فرض مناطق حظر الطيران في شمال البلاد وجنوبها، والحملات العسكرية المتقطعة التي لا حول للجيش العراقي بها ولا قوة إلا الصبر. وكان من تأثير ذلك أن الأنظمة التابعة لبريطانيا في المنطقة قد انتابها ضعف شديد في الأردن واليمن ومشيخات الخليج بحيث أصبح الحفاظ على نفسها أكبر هم لها، ولم تعد بقادرة على المبادرة بالفعل لخدمة بريطانيا، وكانت تنثني مع أمواج الرياح الأمريكية حتى لا تنكسر، وأصبح أمل أمريكا بخلع بريطانيا ووراثتها في المنطقة أملاً حقيقياً.

وفي خضم هذه الفترة وقبل 11 سبتمبر فإن حدثاً كبيراً قد نجم عن انهيار الاتحاد السوفييتي في المنطقة الاسلامية لم ينتبه اليه بالاهتمام الكافي. كان ذلك الحدث متمثلاً في الانهيار السريع للأحزاب الشيوعية واليسارية في المنطقة الاسلامية والتي كانت تعيش بحبل من موسكو. وبهذا الانهيار تكون المنطقة الاسلامية من الناحية الايديولوجية الداخلية قد انتقلت من الصراع الفكري الثلاثي بين مبادئ الاسلام والرأسمالية والاشتراكية الى الصراع الثنائي بين الاسلام والرأسمالية. وكان متوقعاً كما حصل أن ترفد مياه الذوبان للأحزاب الشيوعية واليسارية نهر الاسلام الذي صار يقوى بهذه الروافد الجديدة، ولكنه لم يصبح جارفاً إلا بعد 11 سبتمبر 2001. ويمكن القول بثقة بأن الاسلام قد ملئ الجزء الأعظم من الفراغ الأيديولوجي الناجم عن غياب الاشتراكية واليسار داخل البلدان الاسلامية. وهكذا أصبح الصراع الفكري ذا معالم أوضح في المنطقة الاسلامية بين التيار الاسلامي في الشارع وبين النظم العلمانية والأحزاب المساندة لها في الحكم، وبهذا القطبية الثنائية في الصراع الفكري أصبح العمل السياسي ضد الحكام أشد أثراً وأعظم فاعلية ضد الحكام العملاء في المنطقة الاسلامية. وللتدليل على وضوح هذه الصورة فإن الأحزاب والحركات الاسلامية هي وحدها التي أصبحت تقاتل المحتل في البلدان المحتلة في فلسطين وأفغانستان والعراق، فاختفى حزب نجيب الله الشيوعي تماماً من أفغانستان، وفي فلسطين أخلت الجهات الشعبية والديمقراطية وغيرها من حركات اليسار ساحة الصراع أمام تعاظم كتائب القسام وسرايا القدس، وفي العراق كان الاختفاء الأكبر لحزب البعث أمام القاعدة والجيش الاسلامي وغيرها من جماعات القتال الاسلامية، أي لم يعد لغير التشكيلات الاسلامية مشاركة تذكر في القتال، لأن غيرها إنما تحركه الأنظمة العلمانية وتأمره بالقيام ببعض الأعمال الرمزية حتى لا تظهر الصورة وكأن الساحة قد باتت خالية كليةً من غير الحركات والأحزاب الاسلامية. وهذه صورة للأثر السياسي للقطبية الثنائية على مستوى الداخل في البلدان الاسلامية.

ومما فاقم الفراغ الأيديولوجي في المنطقة أن قناع الديمقراطية والانبهار بالغرب قد سقط عن الأنظمة في المنطقة الاسلامية وتمرغ في التراب بعد الحملات الأمريكية التي تلت 11 سبتمبر 2001. وذلك أنه قد بان عوار النموذج الأعظم للديمقراطية والحرية أي للولايات المتحدة والتي أخذت تقصف بأطنان القنابل المشاركين في حفلات الزفاف في أفغانستان والعراق والتي تعمدت تقتيل الأطفال والشيوخ والنساء بلا رحمة، وبصور التعذيب التي كشفتها أمريكا نفسها عن واقع السجون في أبو غريب وما ابتدعته من السجون الطائرة والمبحرة وفي البر في غوانتنامو وقد برزت أمريكا للعالم كخزان شرور فعلي، وتقزز المسلمون والعالم من أمريكا وأفعالها وسياساتها، وسقط تبعاً لذلك آخر منبهر بالحضارة الغربية في المنطقة الاسلامية وأصبح مخجلاً لأي كان الدفاع ليس عن أمريكا فحسب، بل وعن أي من القيم الحضارية الغربية التي يرى المسلمون منها ألوان العذاب يومياً، بل وفي كل ساعة في العراق وأفغانستان مباشرة، وفي فلسطين بالإذن الذي منحته أمريكا ومعها أوروبا لشارون للتقتيل والترويع تحت حجة محاربة الارهاب. وانهارت الأخلاق العسكرية الأمريكية بهذه الصور والأحداث وتجلى ذلك في القصف الأمريكي لأفراد المحاكم الاسلامية وهم يخلون مواقعهم ويفرون نحو الجنوب أمام تقدم الجيش الاثيوبي، فكان ذلك كمن يتفنن في قتل جثة مقتولة أصلاً.

وما يهمنا هنا من كل هذا أنه أنتج فراغاً أيديولوجياً كبيراً في المنطقة الاسلامية، والتي لم يبق فيها من أهل المبادئ سوى دعاة الاسلام. وغدت الأنظمة والتي تحكم بغير الاسلام وقد فقدت مبرر وجودها الأيديولوجي تماماً، ولم يعد لها من حجة لاستمرار التمسك بالرأسمالية.
وواضح لكل ذي بصيرة أن هذا الفراغ الأيديولوجي لا يستطيع ملئه إلا دين الاسلام، وهذا الفراغ وإن كان أيديولوجياً صرفاً إلا أنه أصبح ينضج أجواءً أخرى كمثل الضعف السياسي لهذه الأنظمة، والتي أصبحت أقل إقناعاً لشعوبها بسبب استمرار تمسكها بالمبادئ العلمانية ورفضها الحكم بالاسلام. والحركات الاسلامية والتي ربحت الحرب الأيديولوجية قد صار ذلك يزيد في قوتها بشكل عام في الصراع السياسي أو العسكري ضد هذه الأنظمة، فخصبت التربة للعمل السياسي المجدي الذي يقوم به الحزب، كما وخصبت لتنبت نباتاً جديداً من الجماعات الاسلامية والتي تنتهج العمل العسكري للاطاحة بالأنظمة هذه، مثل جند الشام في سوريا وفتح الاسلام في لبنان، والتوحيد والجهاد والجماعات التي انضمت للقاعدة في المغرب العربي، وكثير هذه الجماعات قد نشأ بعد أن لم يكن قبل تلك الفترة، وهذه مؤشرات على الخصوبة العالية للتربة الاسلامية في إنبات العاملين للتغيير ضد هذه الأنظمة.

لم يقف مستوى الفراغ عند هذا الحد، فقد أرادت امريكا بهجماتها السياسية والعسكرية بعد 11 سبتمبر أن توجد فراغاً شاملاً يمهد لها لرسم سايكس بيكو جديدة للمنطقة الاسلامية، فقامت بالحملات العسكرية على أفغانستان والعراق وكادت أن تنتقل الى الفريسة الثالثة والرابعة لولا أنها قد صدمت بحجم الروح العدائية لدى المسلمين وصدمت بتأجج غير مسبوق للروح القتالية في المنطقة ضد أمريكا.
أوجدت أمريكا فراغاً عسكرياً في عراق صدام حسين حتى تملئه جيوشها، وكان لها ما خططت له من احتلال العراق وهزيمة جيش صدام، لكنها قد صعقت بحجم المقاومة العراقية والتي أفقدت واشنطن صوابها، فعجزت أمريكا وهي صاحبة أقوى جيوش العالم عن ملئ الفراغ العسكري في العراق، وبقي هذا الفراغ حفرة يكاد الجيش الأمريكي لا يخرج منها وهو بعزته وكرامته. وكذلك أفغانستان، بل وحرب صيف 2006 في لبنان قد جرت الجيش الاسرائيلي والذي وصمته الهزائم العربية بأنه جيش لا يقهر الى ذات الحفرة، وعجز عن إفراغ جنوب لبنان من جند حزب الله، وبقي هذا الحزب كابوساً مرعباً لإسرائيل وجيشها.

وهذا الفراغ العسكري الكبير والذي عجز الجيش الأمريكي عن ملئه، وذاك الفراغ الناتج عن انحسار دائرة الرعب التي كان جيش اليهود يرسمها فيما حوله، والعجز الأكيد للجيوش الاسلامية عربية وغير عربية عن ملئها في المنطقة على الرغم من امتلاكها من أدوات الحرب ما لا تملكه المقاومة في العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين، كل ذلك قد أوجد ظرفاً جديداً في المنطقة الاسلامية لم يكن أبداً موجوداً قبل ذلك وبهذا الشمول، وهذا الظرف الجديد هو الفراغ العسكري الشامل والمتمثل في عجز وشلل الجيوش الاسلامية عن القيام بواجباتها في الذود عن حمى المسلمين، وعجز جيوش الدول الكبرى عن فرض الأمن في المنطقة، وبروز جماعات المقاومة بشكل لافت، ليؤكد بشكل واضح أن القوة الوحيدة القادرة على ملئه لهي دولة الخلافة الاسلامية والتي يبين العاملون لها للأمة الكيفيات العملية وغير الخيالية في توظيف طاقات الأمة للذود عن حمى الأمة، وأن الأمة باتت تؤمن بإمكانية ذلك لا سيما وهي ترى جيوش دول الكفر تتمرغ عظمتها وبشكل جماعي أو منفرد على أيدي رجال آمنوا بربهم في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين وهم لا يملكون إمكانيات الجيوش والمتوفرة فعلاً في بلدانهم أو محيطهم.
ومن الناحية العسكرية فإن هذه الدولة الاسلامية ستكون عظمى إذا هزمت جيشاً عظيماً، وهزيمة هذه الجيوش المحتلة للبلدان الاسلامية تبدو هدفاً سهل المنال في ظل خصوبة التربة الاسلامية حتى قبل قيام الخلافة الاسلامية وقدرتها على إنبات الرجال الذين يقاتلون كما قاتل أجدادهم أبطال الاسلام الأوائل، وفي ظل الرعب المتعاظم الذي دب في صفوف الكفار فغلاً من طريقة المسلمين في القتال. 

هذا هو الفراغ العسكري الذي أضيف الى الفراغ الأيديولوجي في المنطقة الاسلامية، أما الفراغ السياسي، فإنه كذلك قد أصبح معولاً لهدم هذه الأنظمة. وذلك أن الهجمات العسكرية الأمريكية كانت ترافقها هجمات سياسية لا تقل وطأة على الأنظمة من الهجمات العسكرية التي استهدفت بعضها، وكانت أمريكا تخطط من وراء الفراغ الذي ستوجده هجماتها السياسية القضاء على أي نفوذ لغيرها في المنطقة وربط المنطقة تماماً بالعجلة الأمريكية. تمثلت الهجمات السياسية الأمريكية والمندفعة بعقلية عسكرية عنجهية لا تقيم كبير وزن لغيرها من القوى، ولا ترى غيرها في الميدان، تمثلت في مشروع الشرق الأوسط الكبير والجديد والمطالبات الحادة للأنظمة العربية وباكستان بالاصلاح وبالتدخلات في كافة مناحي الحياة السياسية الداخلية لهذه البلدان، صحيح أن هذه الأنظمة قد لزمت السكون أمام هذه الهجمات محاولةً حماية نفسها من رياح التغيير الأمريكية ووافقت مكرهةً على بروز المعارضة الداخلية وأجرت الانتخابات في مشاهد وكأنها الفتح المبين للسياسات الأمريكية كمثل تلك التي جرت في السعودية ومشاركة النساء فيها في الكويت. وصحيح أيضاً أن النفوذ غير الأمريكي بدا وكأنه قد ذاب وأن الأنظمة كلها قد باتت مع أمريكا أمام هجمتها تحت شعار "إما معنا أو ضدنا". كل ذلك صحيح، وأن هذه السياسة قد أحيت الحاجة للتغيير في المنطقة عند الفئات الساكنة. ولكن ما نتج عنها فراغ سياسي كبير في المنطقة الاسلامية، وهذا الفراغ بحاجة لمن يملئه، وأن هذه الأنظمة قد أصبحت مشلولة في العمل السياسي، ويمكن تبيان ذلك على مستويين:
الأول: عجز سياسي شامل وظاهر في السياسة الإقليمية، فالعرب قد قرروا حصار الشعب الفلسطيني في نتيجة الانتخابات بعد أن كان الدعم المالي يغطي عجزهم العسكري عن تحرير فلسطين، فتعرت الأنظمة العربية والاسلامية بهذا الحصار بشكل لم يكن كذلك أبداً من ذي قبل. وبدا انحناء هذه الأنظمة أمام التمدد الأمريكي بشكل أفقدها وجودها، فاختفت هذه الدول من الوجود وكأنها أقل من مقاطعة صغيرة في الولايات المتحدة، وقرر العرب كسر الحصار الدولي حسب تصريحات عمرو موسى، لكن الحصار مستمر، ولم يعد أحد يفرق بين قدرات المواطن العادي وبين قدرات الحاكم في السياسة الإقليمية لهذه الأنظمة، فاشتعل الأمل في التغيير، وانخرطت المزيد من قطاعات الأمة في الجهد من أجل التغيير أمام اختفاء ظاهرة الدولة وظاهرة الاستقلال بشكل سريع. فبعد أن كانت الأنظمة الحاكمة تجد ما يغطيها قبل 11 سبتمبر فقد انحسرت عنها آخر ورقة توت كانت تتغطى بها. وأمام هذا العجز السياسي والشلل عن العمل وفقدان القدرة على الثبات على أي موقف، فإن خلخلة غير كبيرة في الأوضاع الداخلية يمكنها أن تكسر هذا الجدار اللعين لهذه الأنظمة والذي بنته لها قوى الاستعمار ليحميها من شعوبها.
أما على المستوى الثاني، وهو الأكثر حسماً أي المستوى الداخلي لكل نظام، فإن الفراغ السياسي ملاحظ بشدة في أنظمة البلدان المحتلة في فلسطين والعراق وأفغانستان، وكذلك في لبنان والسودان. وفي كل هذه البلدان فإن الشغل الشاغل هو البحث عن التغيير، وأما في غير هذه البلدان فإنه يختلف من بلد لآخر، فتركيا وباكستان ومصر يلاحظ فيها الفراغ السياسي بشكل جزئي، ولكنه لا يلاحظ في بلدان أخرى كالسعودية واليمن وليبيا وتونس. ولكن استمرار فراغ الدولة في السياسة الإقليمية قد أوجد فراغاً قيادياً شاملاً في المنطقة الاسلامية، وهذا الفراغ القيادي وأمام خصوبة التربة للتغيير يدفع باتجاه بروز القيادات الاسلامية البديلة من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه يضعف ارتباط القيادات العسكرية المحلية والضباط بالقيادة السياسية فتصبح هذه القيادات العسكرية السند أكثر قابلية للبحث في تغيير هؤلاء الحكام وأكثر قبولاً بالقيادات الاسلامية البديلة. 

وتعاني الأنظمة الحاكمة في المنطقة من الفراغ الاستراتيجي بشكل شبه كامل، فيضرب ببعضها بواسطة التفجيرات المتلاحقة كما في السعودية وأحداث صعدة في اليمن والجزائر والمغرب، ويضرب بواسطة الخلخلات الاقتصادية والمتمثلة في الانهيارات في أسواق المال وفقدان المواطنين أموالهم كما في مصر والسعودية وباقي دويلات الخليج، مما يزيد من حدة الفراغ في المنطقة ويزيد من الدفع باتجاه التغيير ويزيد من قبول الأمة واستيعابها لوجوب وضرورة التغيير.

وأما ما يشير الى أن ولادة دولة الخلافة الاسلامية سيكون ولادة دولة عظمى فوراً، فإن لذلك مؤشرين:
الأول: أن ترابط المنطقة الاسلامية ووحدتها قد عمم فشل أمريكا وعجزها عن سد الفراغ العسكري في العراق وأفغانستان على المنطقة برمتها، وأن الفشل الأمريكي ليس محصوراً في هذين البلدين، بل إن آلة الرعب العسكرية الأمريكية قد انطفأ بريقها في المنطقة بكاملها، وأصبحت هزيمة أمريكا في أي من تلك البلدان يتبعها هزائم متلاحقة وخروج لجيوشها وقواعدها العسكرية من بلدان المنطقة الأخرى، وبحرب صيف 2006 ضعف المحور الاسرائيلي في إمكانية إسناد الجيش الأمريكي. وهذا الانكشاف للمنطقة برمتها وزوال مظلة الرعب التي كانت تفرضها البوارج الأمريكية وحاملات الطائرات قبل أن تخوض غمار الحرب فعلاً في العراق، قد جعل الشرق الأوسط برمته منطقة فراغ شامل من الناحية العسكرية، وأن بروز الدولة الاسلامية في أي من أقطاره سيعمل على فرض المظلة العسكرية الاسلامية على كامل المنطقة حتى بتلك القدرات العسكرية المحدودة الموجودة اليوم لدى المسلمين، أي أن الدولة الاسلامية بحكم الظرف الحالي من الفراغ العسكري ستفرض حمايتها العسكرية للمنطقة برمتها وليس للبلد الذي تقوم فيه ابتداءً فحسب. هذا من ناحية الواقع الدولي لمنطقة الشرق الوسط.

وأما المؤشر الثاني فإنه مفهوم من مجمل الفراغ الأيديولوجي والسياسي والقيادي والاستراتيجي في كافة دول المنطقة، بمعنى أن المناخ الحالي يجعل الأنظمة التي يكاد يأكلها الفراغ تتساقط بسهولة بالغة أمام الوهج الأول لدولة الخلافة، فليس في هذه الأنظمة أمثال عبد الناصر الذي يمكنه أن يقاوم فترة من الزمن، وليس فيها نظاماً واحداً بقادر على أن يسند نفسه بذاته، بل لا يملك أي مبرر لجيشه وشعبه لمقاومة التمدد الأول للدولة الاسلامية في ظل الشلل الذي يعاني منه عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واستراتيجياً.

وهذه الظروف المثلى التي تشكلت بسبب الفشل الأمريكي العسكري في العراق وبشكل اقل حدةً في أفغانستان، وما لحقه من ارتباك في المشاريع السياسية الأمريكية يمكن من الناحية النظرية أن تتغير فتنقلب، لا سيما إذا طال الانتظار وتمكنت الدول الكافرة من علاج الفراغ كما هو حاصل مع إيران والتي تنفرد في المنطقة في استقرارها وعدم شمولها بالفراغ المذكور، لكن المؤشرات تشير الى استشراء هذا الفراغ لا سيما مع قوة العمل الاسلامي للتغيير والذي عليه يعقد الأمل في ضرب أي نظام من الأنظمة السياسية الضربة الكاسرة القاضية والتي لها ما بعدها من أصداء.                   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق