الأحد، 20 مارس 2011

إعادة النظر في خريطة الولاءآت الباكستانية

 22 أيلول 2008

أخذت التطورات تتلاحق في باكستان بعد التنصيب الهادئ للرئيس زرداري والتي كان آخرها التفجير الشديد الذي وقع بالأمس في فندق ماريوت، وإن كنا لا نركز على من يقف وراء التفجير إلا أن الواضح تماماً بأن الأوضاع الباكستانية لم تعد على ما يرام في المنظور الأمريكي وأنها مرشحة لتشكيل المزيد من المصاعب للادارة الأمريكية في الفترة القادمة، فماذا تغير في باكستان؟؟؟

ومن البداية لا بد وأن نقر بأننا (من خارج باكستان) لا نملك الكثير من المعلومات التفصيلية حول حجم القوى الفاعلة والتغيير السريع في ميزان القوى الباكستاني، ولكن الأحداث تشير بوضوح الى تغيير كبير في الوضع الباكستاني، ولا يجب أبداً استبعاد أن بريطانيا قد نصبت فخاً ناجحاً فتمكنت فعلاً من إسقاط النفوذ الأمريكي في إسلام أباد.


والذي يدفع الى التفكير في مثل ذلك تصريحات رئيس الأركان أشفق كياني قبل اسبوع : بأن باكستان لا تسمح لأي قوة أجنبية (أمريكا) بالعمل العسكري في أراضيه، وأنها مستعدة للدفاع عن ترابها مهما كلف الثمن. والتصريحات المماثلة لبعض المسؤولين الباكستانيين.

ولمعرفة أهمية الموضوع فإن أفغانستان آخذة في التطور يوماً بعد يوماً من ناحية حجم المصاعب التي تشكلها لأمريكا وهي مرشحة لأن تحتل مكان العراق خلال الفترة القادمة من ناحية التركيز العسكري الأمريكي والغربي عموماً فيها. لذلك فإن امريكا تنظر باهتمام متزايد للوضع في أفغانستان وتعتزم سحب بعض الوحدات القتالية من العراق وارسالها لأفغانستان وليس لأمريكا. وفي خضم ذلك فقد وصلت الأصوات الأمريكية المنادية بالعمل العسكري في باكستان الى أعلى مستوى في الاستراتيجية الجديدة التي أعلنها رئيس الأركان مولن في ضرورة العمل على جانبي الحدود الأفغانية الباكستانية بسبب قوة الجماعات الجهادية داخل وزيرستان والحاجة لأن تسند أمريكا وبشكل منفصل دور الجيش الباكستاني الذي دشنته حقبة عميلها مشرف ضد الجماعات الجهادية المتعاظمة في باكستان.

وعندما تكون هذه هي الاستراتيجية الأمريكية وعلى أعلى مستوياتها بل وقد بدأ تنفيذها عملياً فإن الوقوف في وجهها مسألة خطيرة لحكام باكستان إلا أن يكونوا قد بدلوا ولائهم. وهنا قد يقول قائل: إن القادة الباكستانيين يعلنون ذلك من باب تغطية تبعيتهم لأمريكا؟؟؟؟ والجواب بأن ذلك مستبعد، إذ إن المعارضة العلنية لخطط أمريكا تهدد التحالف الذي تقوده (فعلياً) أمريكا وتمسك بك أن يتراخى في أفغانستان والذي كانت فيه باكستان مشرف إحدى أهم دعائمه الاقليمية، ولم توافق أمريكا على تنحية مشرف من أجل خلخة وضعها في أفغانستان. يضاف الى ذلك بأن معارضة باكستان للخطط الأمريكية تضر كثيراً بحملة جون ماكين الانتخابية الأمر الذي لا تسمح به إدارة بوش. ولعل الزيارة التي قام بها رئيس الأركان الأمريكي قبل ايام قليلة لباكستان واجتمع خلالها مع أشفق كياني ورئيس الوزراء جيلاني والتصريحات المرادفة التي أطلقها وزير الدفاع غيتس من افغانستان أثناء وجود مولن في باكستان، كل ذلك يدل على توجس أمريكا وتخوفها من الوضع الباكستاني بعد تنصيب زرداري رئيساً على أثر موافقتها على رحيل عميلها مشرف.
لذلك فإن زيارة رئيس الأركان الأمريكي لاسلام أباد وأجتماعه مع كياني وجيلاني تدل بشكل قاطع على عدم هزلية الموقف وأن أمريكا ربما تشعر بالسقوط في فخ سياسي كبير في باكستان. والذي يشير الى أن هذا الفخ إنجليزي التدبير أن زيارة الرئيس الجديد زرداري لبريطانيا واجتماعه مع براون والتي تزامنت مع زيارة مولن لاسلام اباد قد كشفت بشكل لا بأس به أن زرداري على ولاءٍ لبريطانيا لا لأمريكا، فقد تحدث بلهجة التلميذ الذي يقيم عالياً الفهم الانجليزي لقضايا القارة الهندية، والأخطر أنه طلب منها التوسط في إفهام واشنطن الموقف الباكستاني من رفض شديد لأي تدخل عسكري أمريكي عبر الحدود الباكستانية، وقد ركزت وسائل الاعلام على أن موضوع البحث في لندن كان الهجمات الأمريكية عبر الحدود الباكستانية.

والذي ربما يكون قد حصل هو دفع بريطانيا لجماعتها من قادة حزب الشعب لإظهار ولاء كبير لأمريكا وذلك لخداعها في الوقت الذي تبحث فيه أمريكا عن بدائلها لمشرف، والظاهر أن امريكا قد سقطت في فخ الولاء الذي أظهره لها جماعة الانجليز في حزب الشعب الباكستاني فوافقت على أن يحل زرداري محل مشرف، والظاهر أن نقطة القوة في هذا الفخ هي تغيير ولاء أشفق كياني رئيس أركان الجيش والمبادر للتصريحات التي لا ترضي أمريكا. وربما كان تحويل هذا الأخير أسهل نظراً للمتاعب الجمة التي يعانيها الجيش بسبب سياسة مشرف في مناطق القبائل وأن الجيش الباكستاني ربما بصدد العودة عن تلك السياسة بل وإيجاد متاعب كبيرة لأمريكا في أفغانستان.

إن هذا الأمر يجب ألا يكون مستبعداً في ظل الأعاصير التي تضرب الولايات المتحدة وتسبب الخسائر الكبيرة لها داخلياً، وفي ظل تشتت التركيز الأمريكي القائم في العالم الاسلامي الى روسيا بعد الحرب الجورجية، وربما –وإن كان لاحقاً لذلك- ترنح الاقتصاد الأمريكي للانهيار والجهود غير المسبوقة لإنقاذه من قبل الحكومة الأمريكية. نعم إن كل هذه المسائل الكبرى بالاضافة الى السخونة الانتخابية في واشنطن قد أخذت تشتت أذهان القادة الأمريكيين تكاد تفقدهم التركيز والفاعلية وفي ظل ذلك فإن بريطانيا قد تكون وجدت منفذها آمناً ليس فقط لقلع أمريكا من باكستان بل وخلخلة أمريكا ربما في أفغانستان.

إن هذه الأمور والمتصورة في الذهن لا تزال بحاجة الى الوقائع الأخرى لتأكيدها أو نفيها، ولكن الاحتجاجات الأوروبية الشعبية للحرب على أفغانستان قد تكون مدبرة للتأسس لحقبة انسحاب أوروبي من افغانستان للمزيد من توريط أمريكا في ظل تعاون أقل من حكومة باكستان ما يفتح الطريق ربما لما هو أكبر من الورطة العراقية أمام السياسة الأمريكية في افغانستان، وبعد الهبة الروسية في وجه السياسة الأمريكية بواسطة الحرب الجورجية ربما تكون الدول الأوروبية (بريطانيا ومعها فرنسا) قد بدأت برسم معالم هبتها أمام الادارة الأمريكية القادمة.

وأنا إذ أقر بأن بعض الحقائق الأخرى بحاجة لأن تتضح أكثر إلا أن سيلاً من الحقائق يسير باتجاه تغليب هذا الرأي في الوقت الحالي. ولعل التفجير الأخير في الماريوت بضخامته غير المعهودة يكشف عن ضخامة التغيير في باكستان بالنسبة للسياسة الأمريكية ويكشف كذلك عن عصبية أمريكية في التعامل مع باكستان بعد زيارة رئيس الأركان الأمريكي مولن لباكستان وقياسه لدرجة الحرارة الانجليزية في إسلام اباد والتي يتعاظم خطرها أمريكياً مع تعاظم الحرارة الجهادية في باكستان وأفغانستان.     
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق