الأحد، 20 مارس 2011

إغتيال بوتو وتطور الأوضاع الباكستانية


تلاحقت الأحداث المتتالية في باكستان والمرعبة للكثيرين في باكستان وخارجها مع نهاية العام 2007، وبلغت ذروتها باغتيال زعيمة حزب الشعب بيناظير بوتو، وحظيت باكستان باهتمام دولي شديد، فلماذا هذا الاهتمام اللافت بباكستان؟ وما هي يا ترى صورة الأوضاع في باكستان الآن؟ وكيف يمكن أن تتطور الأوضاع فيها؟

وللاجابة على ذلك نقول: يرجع الاهتمام الدولي الشديد بباكستان الآن لعدة عوامل. أولها أن هذا البلد يحتوي على طاقة سكانية هائلة تقارب 170 مليون نسمة، ويمتلك هذا البلد قوة نووية هي الوحيدة في العالم الاسلامي، وتعتبر باكستان عنصراً هاماً في توازن القوى الآسيوية أي بين الصين والهند. وهذه العوامل الاستراتيجية الكبرى كافية لوحدها لتبرير هذا الاهتمام الدولي الفائق بأي خلخلة للوضع الباكستاني، ناهيك عن الخوفات الغربية الاستراتيجية بتحول باكستان الى دولة إسلامية.

أما صورة الأوضاع الحالية في باكستان فيمكن فهمها من متابعة تسلسل الأحداث فيها وهو على النحو التالي:
بدون الدخول بعيداً في تفسير الكثير من الأحداث المعروفة في باكستان فإن الأوضاع الباكستانية وكما برزت في الفترة القريبة السابقة لمباحثات مشرف مع بينظير بوتو ودعوته إياها للعودة الى باكستان أي قبل عودتها فإن باكستان كانت تشهد صراعاً شديداً بين طرفين:
الأول حكومة برويز مشرف، والطرف الثاني هو القوى الاسلامية. أما أن الصراع الداخلي في باكستان لم يكن به طرفاً ثالثاً، فذلك ما كانت تنطق به الأحداث المتسارعة في باكستان، فقد كانت الدولة تخوض صراعاً عسكرياً وإعلامياً وسياسياً وتستخدم لأجل ذلك سياستها الداخلية والخارجية من أجل مواجهة الثوى الاسلامية، فكان الجيش الباكستاني يخوض المعارك في منطقة وزيرستان، وكان الرئيس مشرف يطلب من رئيس الوزراء البريطاني بلير منع حزب التحرير من النشاط في بريطانيا لخطورة ذلك على باكستان، وكانت وسائل إعلامه تشن حرباً شرسة على القوى الاسلامية وتسميهم بالارهابيين.
ومع تشكيل المجاهدين لحركة طالبان-باكستان أصبح العمل لاسقاط برويز مشرف بالقوة العسكرية من الداخل على أشده، وكانت التنظيمات الاسلامية تركز على محاولة إغتيال رؤوس النظام في باكستان، وما كان لجيش مشرف أن يهدأ من معاركه مع المجاهدين في منطقة وزيرستان حتى تبدأ معركة أخرى في العاصمة نفسها إسلام أباد في أحداث المسجد الأحمر، وما أن ينتهي مشرف وجيشه من معركة المسجد الأحمر حتى تبدأ المعارك من جديد في منطقة وادي سوات شمال باكستان.
ومع حدة الصراع هذه بين نظام مشرف والقوى الاسلامية كادت تذوب باقي الأحزاب العلمانية، فلا يظهر أي نشاط فعلي لحزب الشعب- بيناظير بوتو ولا لحزب الرابطة الاسلامي-جناح نواز شريف. وكان هذا الغياب للقوى غير الاسلامية عن ساحة الصراع يعود لثلاثة أسباب:
الأول: أن القوى العلمانية عامة قد أخذت تنطفئ قوتها في العالم الاسلامي عامة بفعل بروز الصراع الأمريكي ضد التيارات الاسلامية في العالم أجمع، وهذا ملاحظ في عموم البلاد الاسلامية وليس خاصاً بباكستان.
والثاني: أن السياسة الأمريكية في الحرب على الارهاب كانت تدفع برويز مشرف بعيداً في الانخراط في حربها على الاسلام والمسلمين، وقد نجحت فعلاً ليس فقط في التسهيلات التي قدمها مشرف لغزو أفغانستان، وإنما على الصعيد الباكستاني الداخلي من حظر جماعات الجهاد الكشميرية والتي لها من القداسة العالية في المجتمع الباكستاني ومروراً بحرب المدارس الدينية ومناهجها وأخيراً وليس آخراً بمعركة المسجد الأحمر ووادي سوات وبالحرب غير المنتهية في وزيرستان.
والسبب الثالث: تهم الفساد المرفوعة في المحاكم الباكستانية ضد بينظير بوتو وزوجها وكذلك ضد ننواز شريف، الأمر الذي فاقم في إضعاف هاتين القوتين على الصعيد الجماهيري الباكستاني.

 وهكذا فإن الصراع الشديد بين حكومة مشرف وبين القوى الاسلامية قد أعاد رسم خريطة القوى الباكستانية بحيث أصبحت القوى غير الاسلامية وغير الحاكمة هامشية في تأثيرها على سير الأوضاع الباكستانية.  

وهذا الصراع الخطير داخلياً ودولياً بين الحكومة والحركات الاسلامية بما يمثله من احتمال تحقيق الجماعات الاسلامية النصر وحسم أمور باكستان لصالح القوى الاسلامية اقتضى تفعيل قوى كانت قد أصبحت هامشية مثل حزب الشعب وحزب الرابطة الاسلامية على أمل ترجيح كفة برويز مشرف ضد القوى الاسلامية. وذلك يقتضي إعطاء صبغة عادية للتنافس الحزبي الباكستاني بديلاً عن الصبغة الاسلامية للصراع. فيجري إعادة إبراز القوى الأخرى كحزب الشعب وحزب الرابطة الاسلامي –نواز شريف على أمل ان تكون بديلاً للقوى الاسلامية داخل المجتمع الباكستاني. وهكذا جرى استدعاء بينظير بوتو من أجل هذا الهدف، وكذلك سمح بعودة نواز شريف الى باكستان.

وبعودة الاثنين (بينظير بوتو ونواز شريف) لا سيما في الفترة الانتخابية فإن وجه الصراع في باكستان قد تم تحويله فعلاً عن الوجه الاسلامي وأخذت أحزاب علمانية تتقوى لا سيما حزب بوتو  في الشارع الباكستاني. وفي ذلك تنفيس للحكومة الباكستانية وإعادة رسم لأقطاب القوة من جديد على الساحة الداخلية في باكستان على وجه لا يجعل القوى الاسلامية هي الأبرز، ونجح في ذلك بعد قدوم بوتو وإن بقيت القوى الاسلامية ناراً تلتهب تحت الرماد، بمعنى أنه لم يتم لمشرف استئصالها، هذا على صعيد تغيير وجه الصراع الداخلي في باكستان وما في تغييره من فائده عظمى لمشرف وأسياده في واشنطن وكذلك للغرب عموماً.
 أما الصعيد الثاني والذي لا يقل أهمية عن الأول، وربما فاقه في ظل عقلية الحكم العسكرية التي تسيطر على مشرف وأمريكا من وراءه فإن ذلك بحاجة الى وقفة:
على الصعيد الخارجي كانت عودة بينظير بوتو بموافقة أمريكية من أجل نجدة برويز مشرف داخلياً، وكان ذلك يتمثل في ضمان إعادة انتخابه كرئيس لدورة جديدة بشكل قانوني وقبل أن يترك رئاسة أركان الجيش، ولو تغيب حزب بوتو وقاطع نوابه الجلسة لما تم انتخاب مشرف رئيساً جديداً للباكستان. وكان تسلسل الأحداث يدل على الاتفاق الحذر بين مشرف وبوتو، فقد صدر العفو عن بوتو في يوم 5/10/2007 وفاز مشرف في الانتخابات التي قاطعتها الأحزاب الباكستانية وسحبت نوابها وكان ذلك يوم 6/10/2007 وشارك فيها نواب بوتو، ولم تنقض المحكمة نتائج الانتخابات تلك المحكمة التي لجماعة بوتو فيها نصيب من القوة كان يخشاه مشرف، أي أصبح مشرف رئيساً من جديد لباكستان وهو يحتفظ برئاسة أركان الجيش، وعلى الرغم من تخليه عنها بعد الانتخابات إلا أن جماعة بوتو كانت قد وفرت له الفوز بالانتخابات. وبعدها أي في 18/10/2007 عادت بوتو.

والمدقق في سير هذه العملية من السهل عليه أن يكتشف أن مشرف أخذ من بوتو ما يريد قبل أن يعطيها ما تريد وهو رئاسة الوزراء، أي أنه قد أصبح رئيساً شرعياً للبلاد وفق النظام الباكستاني. وهذا يشير الى أن حاجة برويز مشرف لبوتو قد أصبحت غير أساسية وأن التخلص منها بعد أن جرى انتخابه مسألة ممكنة. وإذا ما علمنا أن جماعة لا يستهان بها في جهاز برويز مشرف والمعروفة بجماعة ضياء الحق ضمن حزب الرابطة الاسلامي جناح برويز مشرف كانت أصلاً تعادي بوتو وغير موافقة على عودتها ولا على إلغاء تهم الفساد عنها، وقد سكتت هذه الجماعة بعد ذلك نظراً للحاجة الملحة لعودة بوتو ودعمها لبرويز لجعله رئيساً شرعياً للبلاد وكذلك انصياعاً للضغط الأمريكي، فإن احتمال أن تكون هذه الجماعة هي التي تقف وراء مقتل بوتو في مدينة روالبندي هو الأقوى، والذي يشير أيضاً الى ذلك هو الرواية الرسمية الحكومية لعملية الاغتيال والتي أثارت شكوكاً كبيرة حول ضلوع أجهزة في حكومة مشرف في عملية الاغتيال سواء بتنسيق مع مشرف أو بدون تنسيق.

كانت أمريكا تعلم وكذلك مشرف بأن بينظير بوتو وهي ترى شدة حاجة مشرف لها قادرة على حصد نفوذ واسع في باكستان قد يفضي الى إضعاف نفوذ أمريكا بشكل جذري بحمل مشرف على الانهيار أو الضعف سواء عبر المطالبة بتعيدلات في صلاحيات رئيسة الوزراء أو غيرها من الأعمال. وكانت بريطانيا ترى بأن الفرصة قد أصبحت ذهبية للعودة وبزخم للنفوذ داخل باكستان عبر بوتو، لذلك كان السفير البريطاني وغيره من سفراء أووربا في المطار في استقبال بينظير بوتو عند عودتها إذ كانوا يعولون عليها كثيراً بسبب الضعف الشديد لبرويز مشرف وحالة الفراغ في باكستان والذي دفعت بوتو لتملئة وبزخم أثناء الدعاية الانتخابية، وكانت مؤهلة لكل ذلك النجاح المتوقع لولا القدر.

أما الآن وما يمكن أن تتطور باتجاهه الأوضاع في باكستان فيجب النظر في الحقائق التالية:

أولاً: بمصرع بوتو فإن آمال الانجليز قد تحطمت في العودة بقوة الى النفوذ في باكستان، وأن حزب الشعب بعد مقتل بوتو ورغم ولاءه للإنجليز إلا أنه قد فقد القدرات والزعامة التي تتمتع بها بوتو، وأي من زعماءه الآخرين غير قادر على منافسة مشرف منافسة فعلية على قيادة باكستان، أي أن العامل الانجليزي قد تراجع فعلاً حتى إن مشرف قد أجل الانتخابات من أجل حرمان حزب الشعب من الاستفادة الانتخابية من تعاطف الناس مع حزبها على أثر مقتلها.

ثانياً: سيعود الصراع كما هو في الأصل أي بين القوى الاسلامية الحقيقية على الأرض وبين مشرف، وهذا خير بأن الأمة يبقى أمامها خيار الاسلام وحيداً (بعد مقتل بوتو) للتخلص من مشرف الذي تمقته الأمة في باكستان مقتاً شديداً. وإن كان ما سيبرز على السطح أكثر هو الأعمال العسكرية للجماعات الجهادية الباكستانية، وهذا سيف ذو حدين، فالقليل منه قد لا يضر في الأوضاع الباكستانية ولكن إن استشرت أعمال القتال ضد الجيش الباكستاني فإن في ذلك فرصة لمشرف لتأصيل عداوة الجيش وقادته ضد الاسلام والحركات المخلصة عموماً.

ثالثاً: النفوذ الأمريكي في باكستان يبقى معتمداً على مشرف، وهو ضعيف، وأمريكا ترعاه بقوة لأنه كنز لها ضد القاعدة وطالبان، وهذا سيزيد في إضعافه لأنه يستجيب لكل ما هو مطلوب أمريكياً.

رابعاً: سيكون هناك عامل جديد يؤثر في الأوضاع الباكستانية وهو التسخين المتصاعد للأوضاع  في أفغانستان، وربما يتفاقم الوضع إذا ما نجح مشروع أمريكا في صحوات العراق وأدى ذلك الى عودة مكثفة للقاعدة الى افغانستان، عندها قد ينتقل مركز النزيف الأمريكي من العراق الى أفغانستان، فتجد أي إدارة أمريكية قادمة نفسها متورطة بقوة أكبر في أفغانستان وباكستان، وإذا ما حصل ذلك فإن حكومة مشرف قد تنهار. وأمريكا تطرح منذ الآن فكرة عمل عسكري أمريكي محدود في باكستان لملاحقة القاعدة وتتخوف من فقدان السيطرة على الأسلحة النووية في باكستان ما سيزيد الصعوبات حول مشرف في باكستان.


16/1/2008   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق