الأحد، 20 مارس 2011

شيخوخة اسرائيل وفتوة الاسلام

الشيخوخة والفتوة في العرف السياسي هي مفاهيم ذات اعتبار كبير إذ تبدو الدولة أو القوة الفتية أكثر اندفاعاً وأكثر حماساً للعمل وتحقيق الانجاز، بينما تميل القوة التي شاخت الى الفتور ويسودها الكساد والشلل عن العمل. والشيخوخة قد تكون ناجمة عن أسباب داخلية تعوق عملها فتمنعها من النشاط، أي تبرز الكثير من المشاكل الداخلية فتجعلها تعكف على اصلاح أوضاعها الداخلية، وقد يكون ضعفها الداخلي ناتج عن تقوية عدوها فتجد نفسها يوماً بعد يوم أمام تهديد أكبر، ولما لا تستطيع مجابهة عدوها لمظنة الهزيمة فإنها في العادة تعكف على اصلاح الداخل فتقوم بتدريب جيشها ليصبح أقوى على أمل أن يكون قادراً على صد التهديد الخارجي، وتصلح اقتصادها على أمل أن يصبح قادراً على در المزيد من الانتاج فيعينها على تقوية نفسها اقتصادياً او توفير ما يلزم من نفقات عسكرية أو غير عسكرية.

وأما القوة الفتية فالاصطلاح بحد ذاته يدل على وجوب أن تكون قوة جديدة شابة أي تملك من طاقات المجابهة الكثير مما لا يملكه غيرها من القوى القديمة، ولكن هذه القوة الفتية غذا ما امتلكت أسباب الاندفاع المستمر وضخ الحياة في عروقها فإنها تبقى قوة شابة فتية قادرة على التأثير الفعال، والقوة الاسلامية بشكل عام كانت قوةً فتيةً لعصور طويلة لم تعرف الأمم الأخرى مثل هذا الزمن الطويل في الفتوة، والسبب أن الدفع العقائدي "الأيديولوجي" كان مستمراً وقوياً يشحذ الهمم ويدفع الى اقتعاد ذرى المجد والفتح ونشر دين الله.

وهذه المقدمة كلها كلام نظري، وأما الجديد في واقع الشرق الأوسط على عتبة القرن الحادي والعشرين فهو أن الحركات الاسلامية تندفع بقوة شديدة الى الأمام لم تستطع اسرائيل ولا أمريكا وحلفائها ولا الأنظمة العربية أن توقف هذا الاندفاع، وبقي الزخم هو السمة السائدة على الحركات الاسلامية، ومن أمثلة ذلك أن العرف السياسي يفترض أن قوة صغيرة مثل تنظيم القاعدة والتي تقع تحت الحرب الأمريكية على الارهاب وتحاربها كل دول العالم، يفترض العرف السياسي أن تضعف هذه القوة بعد سنة 2001 أي بعد إخراجها من أفغانستان، ولكن العسك هو الذي حصل فبرز تنظيم القاعدة كقوة عملاقة على الساحة العراقية يهدد بهزيمة منكرة للقوات المريكية والحليفة. وليس هذا فحسب فعشرين عاماً من حرب الجيش الاسرائيلي ضد حركة حماس لم ينتج إفنائها، بل أنتج زخماً شعبياً أدى الى ايصالها الى سدة الحكم في انتخابات 2006 ومن بعدها الى حسم الموقف الأمني لصالحها في غزة سنة 2007، وفي جنوب لبنان لم تتمكن الغارات الاسرائيلية والغزوات المتتالية أن تستأصل حزب الله وبقي شامخاً يصد اسرائيل عن لبنان، وفي العمل السياسي الاسلامي فإن حزب التحرير قد نظم عشرات الآلاف من المؤيدين للخلافة الاسلامية في رام الله المدينة الصغيرة وحوالي مائة ألف من هؤلاء المؤيدين في اندونيسيا في مؤتمر الخلافة، وهو يهدد باسقاط الأنظمة العربية وغيرها في تركيا وباكستان واندونيسيا.
ومن كل ما ذكر يتضح أن فتوة الاسلام صاعدة لا تستطيع قوى الأرض المناهضة ايقافها أبداً، وهي في تنامٍ مستمر، وواضح أنها تسعى لبناء المنطقة على أساس الاسلام وإخراج اسرائيل من خريطة المنطقة.

أما شيخوخة اسرائيل: فهي ليست أمنية فحسب، بل إنها حقيقة قد كشفتها حرب لبنان بشكل خطير لم يسبق له مثيل. بدأت المؤشرات الأولية من حرب مخيم جنين واضطرار الجيش الاسرائيلي لتبديل قادته حول المخيم وفقدان الكثير من الجنود في مواجهة عشرات المقاومين الفلسطينيين في المخيم، لكن المسألة قد ظهرت بشكل أكبر أثراً وأعمق في حرب صيف 2006 على لبنان عندما تمكنت فئة مؤمنة من صد الهجوم الاسرائيلي وإمطار شمال فلسطين المحتلة بالصواريخ، مما أوجد تغييراً جوهرياً في رؤية اسرائيل ومستقبلها. بعد هذه الهزيمة المعروفة عادت اسرائيل تصلح نفسها من الداخل بدءً بتقرير فينوغراد وتحميل مسؤولية الفشل لطبقة من السياسيين وبعض قادة الجيش، مروراً بزيادة الميزانية العسكرية وطلب المساعدات في العتاد من أمريكا وانتهاءً بإعادة باراك وبدء حملة تدريب شديدة في الجيش على أمل أن يستعيد عافيته.

وفي الفهم السياسي فإن هناك عدة أمور تمنع عودة الجيش الاسرائلي قوياً منتصراً كما كان في السابق، وهذه الأمور هي:
1- الانتصارات السابقة في الحروب مع الدول العربية كانت مصطنعة وبترتيب مع قادة الدول العربية مثل تسليم الملك حسين للضفة الغربية، ومثل إذاعة وسائل الاعلام السورية نبأ سقوط الجولان واحتلال اليهود له على الرغم من أن الجيش السوري كان لا يزال يقاتل بقوة في الجولان. وهذا العصر قد انتهى، ليس من باب أن قادة العرب قد ابتعدوا عن الخيانة، وإنما لأن الحركات الاسلامية جتهزة لدخول المعركة فور بدايتها، ولولا الجيوش العربية التي تحرس اسرائيل لقامت هذه الحركات باختراق الحدود وحرب اليهود. وفي القضية التي تثار الآن في وسائل الاعلام عن الحرب ضد سوريا على الرغم من أنها مقدمة للسلام إلا أن اليهود لا يخفون تخوفهم من النصر، اي هزيمة الجيش السورية ووضع الجيش الاسرائيلي في مواجهة الحركات الجهادية الاسلامية تماماً كما حصل مع الجيش الأمريكي بعد هزيمة جيش صدام في العراق.

2- الدولة اليهودية قد شاخت فعلاً وبرزت فيها مشكلات خطيرة، فالفكرة الصهيونية لم تعد قادرة على دفع اليهود بذلك الزخم الذي كان في الأربعينات والخمسينات، فقد غابت عن الأبصار أحزان المحرقة وأصبح هتلر جزء من التاريخ البعيد، وأصبحت معيشة اليهود في أوروبا وأمريكا أفضل اقتصادياً وأكثر أمناً من السكن في "اسرائيل".

3- قضايا الفساد في المستويات العيا في "اسرائيل" تدل على أن المنافع والغنى والبحبوحة هي القضية الأولى في ذهن اليهودوليس الدفاع عن "أرض اسرائل" المزعومة، وما قضية إثارة الهيكل تحت المسجد الأقصى على الرغم من احتلاله وسطوة الدولة اليهودية الكاملة عليه، وعدم التجرؤ بالقيام بعمل ذي قيمة إلا لدليل على فتور الناحية الأيديولوجية عند ساسة اليهود ونمو قوي للنفعية من الوجود في اسرائيل. وعندما برزت تهيدات حزب الله على شمال "اسرائيل" فقد بدأت موجة من الهجرة المعاكسة من "اسرائيل" لم تعرفها الدولة العبرية من قبل.

4- الحساسية المفرطة عند اليهود من الخسائر البشرية برزت بشكل خطير، فهم يريدون للحديد والعتاد الذي يملكونه أن يهزم عدوهم، أي أن تكون مشاركتهم البشرية اقل ما يمكن في الحرب، وهذا واضح لكل من يتابع تطورات العقلية الحربية الاسرائيلية، وعلى الرغم من أنه كان موجوداً دائماً إلا أنه قد ازداد بشكل خطير، فالجندي الاسلرائيلي ليس مستعداً لخوض الحرب بدون وجود الماء البارد في الصيف وبدون الطعام اللذيذ وكأنه ذاهب في نزهة، وهو كذلك غير مستعد للنزول من الآلية التي يركبها، أي أن مفهوم الحرب الحقيقي غائب عن أفراد الجيش. وهذا وإن لم يكن سراً وأن قيادة الجيش تحاول تعزيز عكسه بين الجنود إلا أن فرار الطيارين الاسرائيليين الى الخدمة المدنية بسبب الامتيازات اللاقتصادية عن الطيران الحربي، وموجات الهجرة الخفية والهلع من الحرب تدل بشكل خطير على أن هذا الأمر غير قابل للاصلاح وأن تجديد العقلية اليهودية على نحو آخر مسألة مستحيلة، لا سيما وأفراد الجيش يرون قيادتهم السياسية منغمسة في الفساد الأخلاقي مع النساء في مكاتبهم الحكومية، والفساد المالي، فيبقى في الذهن جلياً أن "اسرائيل" هي مشروع رفاه اقتصادي لكل يهودي، وإلا فهو مستعد من أجل الرفاه أن يغادر وأن يبتعد عن الخدمة العسكرية، ويبعد نفسه عن المخاطر الحقيقية إذا ما حكمت عليه الظروف التواجد في ساحات القتال.

5- الحروب الحالية يشترك فيها بكثافة أفراد وجماعات اسلامية متنامية وفتية لا تهاب الموت في سبيل الله، ومواجهة مثل هذه الفئة ليست بالأمر اليسير حتى مع توفر العتاد والأموال لتطوير الجيش اليهودي. فلا يفهم اليهود مثلاً كيف أن غزة وحماس كانت تستمر في اطلاق الصواريخ وأنها لا ترتدع على الرغم من ممارسة الجيش الاسرائيلي لكل ما يخطر ببال ضد المقاومة في فلسطين وعلى الرغم من قوافل الشهداء، فهذا خارج عن فهم العقلية اليهودية. وقد ذكر ضابط اسرائيلي بأنه لا يفهم أبداً كيف بقي حزب الله يطلق النار والصواريخ من بلدة بنت جبيل بعد كثافة النيران التي استاخدمها الجيش الاسرائيلي والتي غمر بموجبها كل أراضي البلدة بالقذائف.
وهذا فعلاً ما لا يمكن فهمه إلا في إطار أن المقاتل لا يهاب الموت وأنه يرى في الموت سبيلاً الى هدفه وهو جنة الرحمن، وهذا كله مشاهد وحوادث متكررة ومتزايدة تبني صورة عملية واقعية للجيش الاسلامي الذي لا يغلب.
فأووربا كانت تعرف هذا الجيش بأنه لا يقهر، ولكنه اختفى بهدم بريطانية لآخر خلافة اسلامية في اسطنبول، وم يحدث هو إعادة بناء هذا الجيش، ونواته تكبر يوماً بعد يوم وهي موجوة فعلاً في لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان، وإكمال بناءه ينتظر البيان الأول في إعلان قيام الخلافة الاسلامية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق