الأحد، 20 مارس 2011

آسيا الوسطى وباكستان وأفغانستان تقترن وتلتحم بالطاقة الرئيسية في العمل الاسلامي

20 شباط 2008

إن فكرة مركز العالم الاسلامي وأطرافه هي اختراع أمريكي وغربي، والدافع لهذا الاختراع رؤية الويلايات المتحدة وكذلك أوروبا بأن حركات الاسلام السياسية في العالم العربي خصوصاً قد اشتد عودها وتصلب حتى بات التأثير فيها غير ممكن. ووفق هذا المفهوم فإن العالم العربي هو المركز وغيره هو الأطراف. وقبل تفصيل الموضوع فإن السياسيين والمفكرين الغربيين لا سيما مراكز الدراسات الاستراتيجية الأمريكية قد شاهدت ظواهر وبنت عليها. فقد شاهدت حزب العدالة والتنمية في تركيا يتمتع بشعبية كبيرة وقد أوصلته هذه الشعبية مرات عبر الانتخابات الى صدارة الأحداث في تركيا، وأما في باكستان فإن المدارس الدينية والأحزاب الاسلامية الظاهرة كانت عبر التسعينات تشارك في الحكم مشاركة تجميلية ولا تظهر بتاتاً على أنها حجر عثرة أمام النفوذ الأمريكي والغربي في باكستان، وفي آسيا الوسطى فإن الجهل بالاسلام كان سيد الموقف طوال الفترة الشيوعية وأن ظهور قوة سياسية اسلامية في تلك المنطقة كان بمثابة خيال بعيد، ناهيك عن المسلمين التتار في حوض الفولغا داخل روسيا نفسها فإن معرفتهم بالاسلام بالغة السطحية وأن تناغمهم مع طراز العيش الروسي لم تكن تنتابه مشاكل تذكر.

وأما في اندونيسيا فإن ما يسميه الغرب بالاسلام المعتدل هو السائد والذي لا يطمح سوى الى التأثير الاجتماعي في الساحة في جنوب شرق آسيا أي في اندونيسيا وماليزيا. وفي أفريقيا فإن القرن العشرين قد انصرم ولم تظهر فيها حركات اسلامية قوية بالمفهوم والزخم الذي يلاحظه الغرب في العالم العربي.

شجع هذا الواقع لما يسميه الغرب بأطراف العالم الاسلامي بأن تبدأ منها السياسة الغربية والأمريكية خصوصاً حملتها للتأثير في بلدان المركز.

ومع بداية هذا القرن والأحداث العاصفة التي خضت الأمة الاسلامية ابتداءً من الانتفاضة الفلسطينية الثانية وحتى اليوم، فقد لاحظ الغرب الذي رأى في البداية بأن إسالة الدم في الأرض المقدسة سيكون كفيلاً بإيجاد مناخ السلام بين العرب واليهود، لاحظ بأن الأمة قد أخذت تندفع بطاقة لا يمكن السيطرة عليها، بل إن التنظيمات الاسلامية الفلسطينية كحماس والجهاد كانت تعلن بأنها غير قادرة على استيعاب أعداد الاستشهاديين. وهنا خرجت الأمور عن سيطرة الغرب في فشله في جعل الانتفاضة الفلسطينية أداةً لترسيخ مناخ السلام، إذ قضت هذه الانتفاضة على أي تأييد شعبي للصلح بين العرب واليهود وبرزت الأحزاب الاسلامية كافةً عملاقاً كبيراً قد قلب الخريطة الحزبية في فلسطين راساً على عقب وبشكل لم يكن متوقعاً. حتى إن أمريكا بداية 2008م تعيد تقييم سياستها في التمويل لفلسطين ومؤسسات المجتمع المدني لاكتشافها بأن "المجتمع الفلسطيني يزداد تطرفاً" وأن تلك الأموال المنفقة لم يكن لها تأثيرها المنظور في حمل الناس على قبول ما تريده القوى التابعة لها لا سيما السلطة الفلسطينية.

وبعد 11 سبتمبر 2001م والحروب الأمريكية على أفغانستان والعراق شاهدت أمريكا بأن الأمة الاسلامية قد أبرزت قوةً لم تكن في الحسبان في المنطقة العربية خصوصاً.  فبعد أن أنهت مخاطر طالبان والقاعدة من أفغانستان بدرجة مقبولة أمريكياً وإن لم تكتمل فإن أهل العراق والمنطقة من حول العراق قد أردفت جماعات الجهاد والقتال بقوة لا قبل للجيش الأمريكي بها، ودارت رحى المعارك بأقصى شراسة في العراق دون أن يتمكن الجيش الأمريكي من إحراز أي نصر. وتألبت المنطقة برمتها ضد أمريكا والغرب وأصبحت أوروبا وأمريكا عدواً واضح المعالم للأمة الاسلامية بعد أن كان البعض يشكك في ذلك قبل هذه الفترة وانتقلت الأعمال المعادية للولايات المتحدة الى الكويت والسعودية وغيرها بشكل واضح الهدف وهو إخراج أمريكا من الجزيرة العربية.

وأمام مناخ العداء المتزايد للولايات المتحدة المتركز في المنطقة العربية كما شاهدته أمريكا فقد ابتكرت أمريكا فكرة تأثير الأطراف في المركز طمعاً في الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من مصالح أمريكية في المنطقة ومحاولة للعودة الى سابق 11 سبتمبر للنفوذ الأمريكي في العراق والمنطقة عموماً.

وربما يمكننا تعداد بعض الأسباب الموضوعية التي شجعت مراكز الأبحاث الاستراتيجية كمؤسسة "راند" في أمريكا على طرح مثل هذه التوصيات السياسة. وهذه الأسباب تكمن أساساً في ما للغة العربية من تأثير في فهم الاسلام والوثوق من هذا الفهم من المصدر مباشرةً في القرآن الكريم والأحاديث النبوية. يضاف الى ذلك تغلغل الاستعمار والاحتلال في الشمال والجنوب أي من روسيا في آسيا الوسطى وحوض الفولغا واستعمار الدول الأوروبية لأفريقيا وترسيخها للاستعمار الثقافي والذي يؤدي الى إضعاف المطالبة بخروج المستعمر بما تضفيه تلك الثقافة من صفات الإكبار والإجلال للأوروبيين في أفريقيا. وعلى أية حال فإن النظرية الأمريكية هذه كانت الى درجة كبيرة نظرةً عمياء الى واقع الأمور في العالم الاسلامي.

وعلى الرغم من حقيقة أن الطاقة الاسلامية هي طاقة فكرية وطاقة سياسية، فتشترك الطاقة اللغوية في تأصيل الفكر الاسلامي وتنتج المواقف المبدئية التي تشحن الأجواء في المجتمع وتحولها الى قوة سياسية، إلا أن أمريكا قد غفلت عن حقيقة واقعة وهي أن أمة الاسلام عرباً وغير عرب هي أمة واحدة ولا يمكن فصل أي جزء منها عن الآخر، وأن نصرة المسلمين والتي هي حكم شرعي هي طاقة هائلة يمكنها أن تدفع المسلمين الى الالتحام ببعضهم فتضي على الأحلام الأمريكية بفكرة المركز والأطراف. فما أن تألمت العراق تحت أقدام المحتل حتى هب المقاتلون من أصغر الشعوب الاسلامية لنصرتها، فقد ذكر الجيش الأمريكي أثناء حملته على الفلوجة سنة 2004م بأن جيوباً للمقاتلين الشيشان تخوض أشرس المعارك في شوارع الفلوجة. وما أن فرحت أمريكا بعميلها رئيس باكستان على الخدمة الانقلابية التي قدمها لها، فتنصل من طالبان وفتح المجال أمام أمريكا لقصفها من الأجواء الباكستانية وإخراج طالبان عن الحكم سنة 2001م فاعتبرته أمريكا كنزاً كبيراً لسياستها في المنطقة حتى تطورت الأوضاع داخل باكستان نفسها في سنوات قليلة للغاية وأصبحت مصدر تهديد كبير للمصالح الأمريكية في المنطقة برمتها.

وعلى الرغم من أخباراً سارةً كثيرة يمكن سردها في هذا الموضوع من مثل أن إقبالاً كبيراً على اعتناق الاسلام تشهده القارة الأفريقية حيث أخذ الكثير من الناس ينظرون الى المسلمين بعد 11 سبتمبر بوصفهم القوة الوحيدة عالمياً التي تناضل ضد الغرب الاستعماري، فيضي ذلك بإذن الله على حملات التنصير التي شهدتها تلك القارة عبر عقود الاستعمار العسكري والسياسي الذي تبعه، وأن تلك الحملات قد أخذت طريقها نحو العودة الى دولها الاستعمارية، إلا أن هذا المقال يركز بصفة خاصة على انهيار باكستان وأفغانستان وأجزاء واسعة من آسيا الوسطى في المركز (شمال كازاخستان تسيطر فيه الغالبية الروسية).

أعاد الفشل الأمريكي في العراق الثقة للمسلمين بقدرتهم على هزيمة الغرب، فأخذت أفغانستان تسخن من جديد ونجحت حركة طالبان في مفاقمة المشاكل الأمريكية في أفغانستان. فقبل أن ينجلي الفشل الأمريكي في العراق منتصف 2004م أي بعد عام على احتلاله كانت أمريكا تكتفي بعشرة آلاف جندي في أفغانستان لحفظ نظام عميلها كرزاي، ومع تزايد سخونة الوضع الأفغاني اضطرت أمريكا لزيادة عديد جنودها في أفغانستان وبقيت تزيد حتى وصل ذلك العدد الى 33 ألف ومئتي جندي، وليس هذا فحسب بل إن دول الناتو الأخرى (بريطانيا وفرنسا والمانيا وهولندا وكندا وغيرها) قد دفعت بما يقارب الثلاثين ألف جندي آخر لمساعدة أمريكا وحرب طالبان. وعلى الرغم من أن ساحة الحرب الأفغانية لم تغلق بعد حرب 2001م إلا أن زيادة تسخينها وسيطرة حركة طالبان على أجزاء واسعة من أفغانستان قد أعادت تلك البلاد الى الواجهة من جديد وأصبحت تهديداً كبيراً للوجود الأمريكي والأطلسي فيها، ولعل التحذيرات الأمريكية على لسان وزير الدفاع غيتس منتصف شباط 2008م في ميونخ أثناء مؤتمر الأمن الدولي من أخطار التشدد الاسلامي على أمريكا وأوروبا، وتحذيره من أن تشق أفغانستان حلف الأطلسي وتقسمه بسبب عدم تشجع الدول الأوروبية لإرسال مزيد من الجنود الى أفغانستان تشير الى تعميق المأزق الأفغاني للأخطار أمام السياسة الأمريكية المنهكة في المنطقة الاسلامية.

ودون الدخول في تفاصيل الخلافات الأوروبية الأمريكية بشأن أفغانستان فإن هذا البلد الذي يكتنف أخطاراً كبرى لأمريكا قد ولد وربما هو الأهم أخطاراً جديدة لم تكن في الحسبان أمام السياسة الأمريكية في باكستان.

بدأت المخاطر ضد أمريكا تتسلل الى باكستان عبر تقديراتها بأن الحدود الأفغانية الباكستانية تؤوي قادة تنظيم القاعدة، وعبر المدد الذي كانت فيه القبائل الباكستانية تمد به طالبان في أفغانستان من معدات ومقاتلين، ولكن السنتين الأخيرتين قد قلبتا الأوضاع المستقرة في باكستان راساً على عقب وأصبح نظام برويز مشرف الكنز الأمريكي يترنح فعلاً  للانهيار.

يسهل على المراقبين دائماً تتبع أخبار التفجيرات والمعارك التي يخوضها الجيش الباكستاني في منطقة وزيرستان ووادي سوات والجامع الأحمر داخل إسلام أباد ويكتفي بذكرها باعتبارها الأخطار التي تواجه الكنز الأمريكي برويز مشرف في باكستان، ولكن هذا المراقب لا يتتبع أو لا يريد أن يبرز تقوي تيار الخلافة الذي يقوده حزب التحرير في باكستان، فدعوات جعل الباكستان منطلقاً للخلافة الاسلامية تتوسع داخل باكستان وتتقوى، وشواهد ذلك بعض المظاهرات العارمة المطالبة بالخلافة الاسلامية في باكستان وكذلك الثقة الكبيرة التي يطالب بها حزب التحرير عبر نشراته واتصالاته للقوى الاسلامية الباكستانية بإعطاء القيادة له لبناء الخلافة الاسلامية في باكستان. وإذا كان البعض يرى إمكانية للصمود من نظام برويز مشرف أمام التفجيرات والمعارك على الرغم من أن تطور الأحداث لا يشير الى ذلك، فبرويز مشرف قد زج بمئة ألف جندي باكستاني الى منطقة وزيرستان لوحدها وجيوشه تخوض المعارك دون أن تحقق نصراً حاسماً هناك ولا يمكنها ذلك، ولعل اعتقال المقاتلين لمئات الجنود الباكستانيين ومن ثم إطلاق سراحهم يدل على أمرين: الأول- تراخي قبضة قيادة مشرف على الأمور في تلك المنطقة ويشمل ذلك عدم رغبة قيادات في جيشه للحرب ضد شعبهم، والثاني- ثقة المقاتلين بقوتهم، فإن الحقيقة بأن الصراع يدفع بالمزيد من القوى باتجاه نصرة الأحزاب الاسلامية تبقى هي التطور الأبرز في باكستان.

والخسائر الغربية في باكستان متتالية، فمقتل بينظير بوتو خسارة استراتيجية للغرب عموماً، فعلى الرغم من كونها بريطانية الولاء وربما تخوفت منها أمريكا في صراعها ضد الكنز الأمريكي المتمثل بمشرف إلا أنها كانت تمثل طاقة للغرب عموماً ضد الاسلام، فدعواتها الجريئة ضد المدارس الدينية في باكستان لا يمكن لأي زعيم باكستاني آخر خارج السلطة أن يقوم بها. وعلى الرغم من ترجيح احتمال تورط جماعة من حول مشرف في اغتيالها إلا أن دعوتها ضد الاسلام كانت مواجهة لوادٍ متلاطم القوة، ويبدو أن السنوات التي قضتها خارج باكستان منشغلة في استثمار الأموال التي جنتها من عصر الحكم والفساد قد أفقدتها القدرة على تقدير عمق التغيير وسرعته الذي شهدته باكستان خلال السنوات القليلة الماضية، وأن الاسلام سواء المتمثل بالدعوة الى الحكم والخلافة أو الى الجهاد قد أصبح قوةً عصيةً على النيل منها.
 فأمام صلف الرئيس مشرف وتنفيذه للسياسة الأمريكية ضد شعبه وضد أفغانستان قد فقد الحكم في إسلام أباد أي مقوم لبقاءه فدفع ذلك بقوى كانت تسكت عنه الى الالتحام مع القوى التغييرية المنادية بالاسلام واستمر الوضع يتفاقم في باكستان حتى أخذت أمريكا تدرس خططاً للتدخل العسكري في باكستان على الرغم من وجود حكومة فيه يفترض أن لها سيادة على أرضها، ولكن ضعف تلك السيادة وتراخي قبضة الحكم قد أدى الى الاضطراب المشاهد في باكستان.

وربما يعتبر تراخي الحكم من أعظم المخاطر التي تواجهه أمريكا ومشرف في باكستان، وهذا التراخي ناتج بالدرجة الأولى عن ضعف إيمان الطبقة الحاكمة والجيش بالسياسات المنفذة، فمن أجل أمريكا قد قلب برويز مشرف مفاهيم الأعماق في باكستان من بناء السياسة مع الهند على أساس تحرير كشمير وما ينتج عن هذا الأساس من تجهيز الجيش ودعم حركات المقاومة الباكستانية، وكذلك دعم حركة طالبان في باكستان. وعلى الرغم من أن هذه المفاهيم قد قلبت في ذهن برويز مشرف فظن بتفكيره العسكري أن قادته وجيشه يشاركونه هذا الانقلاب في الرأي. ولكن الحقيقة أن ضعف الايمان بهذه المفاهيم الجديدة هو الذي يجعل مئة ألف جندي لا يحققون النصر في منطقة وزيرستان ضد آلاف قليلة من المقاتلين غير مجهزة لا بالطائرات ولا بالدبابات، وهذا العمق في التناقض بين مفاهيم الشعب الباكستاني وبين حكومته هو الذي يجعل تراخي الحكم مسألة حتمية الوقوع، وبما أن السياسة الأمريكية الجديدة تقتضي أن يدفع مشرف بجيشه لقتل شعبه وعلماءه فإن تراخي الحكم سيكون مسألة سريعة، وهو ما يشعل الأمل بأن أنصاره في الجيش لا بد سيتمردون عليه.

وهذا التفكير الأهوج عند برويز مشرف الذي حمله بمفاهيم العسكر فظن بأن ما يقتنع به سيقتنع به الآخرون قد تلاقى تماماً مع التفكير البلطجي للرئيس الأمريكي بوش فظن الإثنين بأنهما يمسكان بباكستان. ولكن سرعان ما تبين لهما بأن الأمور تسير بسرعة نحو فقدان السيطرة فأعلن مشرف حالة الطوارئ ولكنه أجبر على التراجع عنها، وأخذ ولي أمره أي الرئيس بوش يتخوف من فقدان السيطرة على الترسانة النووية للجيش الباكستاني ووضع المسألة على طاولة البحث والتمويل وكذلك مسألة إرسال قوات أمريكية لحرب القاعدة وطالبان على أراضي الباكستان.

ويخطئ من يظن بأن هذا وسيلة ممكنة للحل، إذ من شأن زيادة التدخلات الأمريكية في باكستان أن تدفع بالمزيد من القطاعات الباكستانية للمطالبة بالتغيير الشامل والعمل على إنجازه. والموقف الباكستاني عموماً يمثل صراعاً ساخناً بين الحركات والأحزاب الاسلامية وبين النظام، وأما أحزاب المعارضة بما فيها حزب الشعب الباكستاني فإنه ليس إلا حزب حكم قد تم خلعه ويطمع في العودة الى الحكم عن طريق أي قناة تفتح له بما في ذلك قناة الانتخابات الجديدة حيث فاز بالأغلبية، أي أن مغانم الحكم والنفوذ الأجنبي عليه هي الدافع إذ لم يكن المشاهد المتتبع للأحداث ليسمع باحداث يصنعها هذا الحزب المثقل بالدعوات القضائية بالفساد المرفوعة ضد قادته بما فيهم بوتو وزوجها زرداري الذي تسميه الصحف الباكستانية (مستر 10%) لاشتهاره بالرشوة. أي أن هذا الحزب لا يلمس فيه المواطن الباكستاني بديلاً حقيقاً عن النظام القائم، فلا يبقى سوى الاسلام وأحزابه المخلصة ملاذاً لتأييد ودعم المواطن الباكستاني.

وعلى أي حال فإن الباكستان ومعها أفغانستان بالتأكيد قد انهارتا ومنذ سنوات في منطقة المركز، بل وزادت كثيراً في تقدمها نحو اعتماد الاسلام منهاجاً شاملاً لحياتها السياسية وغير السياسية من بعض الدول العربية.


وأما آسيا الوسطى فقد كانت أسبق من باكستان في الانهيار الى المركز على الرغم من الوضع الخاص لتلك المنطقة. وربما لم تقصدها السياة الأمريكية بالتأثير في المركز بسبب قوة وزخم العمل السالامي فيها منذ مطلع التسعينات. فمنطقة آسيا الوسطى جيوسياسياً هي الحمهوريات الخمس الاسلامية التي استقلت على أثر سقوط الاتحاد السوفييتي والواقعة شرق بحر قزوين، فهذه الجمهوريات وهي أوزبكستان وكازاخستان وتركمنستان وطاجيكستان وكيرغيزية كانت خاضعة للاحتلال الروسي لفترة القرنين التاسع عشر والعشرين، لكنها قد أعطيت صفة الجمهورية الاتحادية في الاتحاد السوفييتي مما سهل عملية استقلالها عن موسكو مطلع التسعينات. ويعتبر الشعب الأوزبيكي هو الشعب المركزي في آسيا الوسطى، فبالإضافة الى أن جمهورية أوزبكستان هي أكبر الجمهوريات من حيث الكثافة السكانية فإن الشعب الأوزبيكي يشكل جزءً بارزاً للسكان في كافة الجمهوريات المذكورة لا سيما في المناطق الحدودية للجمهوريات الأربعة مع أوزبكستان.

أما الوضع الخاص لآسيا الوسطى فإنه إصرار الحكام في تلك المناطق لا سيما أوزبكستان على منع التواصل بين شعوبهم وباقي شعوب المسلمين، ومن أبسط تلك السياسات التعمد في عدم إنشاء خطوط جوية تربط تلك المناطق بالعالم الاسلامي وربطها بدلاً من ذلك بالغرب والصين بالإضافة الى روسيا طبعاً، بل قل محاولة إغلاقها عن أي اتصال مع العالم على النهج الشيوعي العتيق.

كان الاسلام طوال الحقبة الشيوعية في آسيا الوسطى ينحصر في ثلة قليلة العدد تنأى بنفسها عن الحياة العامة في محاولة لحفظ بقاءها الاسلامي وكانت دائمة التخفي بسبب الملاحقة من السلطات الشيوعية، وكانت هذه الثلة تعتمد في معارفها الاسلامية على ما استطاعت أن تحفظه من إتلاف الشيوعيين من كتب اسلامية كثيرها بمثابة مخطوطات قديمة، وبقلة عددها لم يكن أحد يتنبه أو يتوقع أي تأثير لها على ساحة الأحداث في آسيا الوسطى.

لكن مع بداية الاستقلال فإن حزب النهضة الاسلامي في طاجكستان قد استطاع استقطاب أعداد هائلة من الشباب لصفوفه في حربه ضد نظام رخمانوف الشيوعي الذي ورث الحكم بعد الاستقلال في طاجكستان. وعلى الرغم من أن كافة الأنظار كانت متوجهةً الى حزب النهضة الاسلامي في طاجكستان لمنع تمدد تأثيره الجهادي الى باقي مناطق آسيا الوسطى، وكانت السلطات المحلية والروسية تعتبر ذلك محاولات غربية للدخول بالنفوذ عبر الاسلام المدعوم من حركة طالبان الأفغانية إلا أن أحداً لم يكن على علم بالنار التي تلتهب تحت الرماد في مكان آخر.

تلك النار ذات الطاقة العالية كانت أعمال حزب التحرير في أوزبكستان، هذا الحزب الذي وصلت أفكاره مبكراً الى أوزبكستان وكانت كتبه ونشراته تطبع وتوزع بعشرات الآلاف من النسخ، وما أن انقشع الضباب وقرر الحزب الخروج من السرية الى العمل العلني إلا وكانت أصداء ذلك تفتك فتكاً بحكام آسيا الوسطى وروسيا والصين، عندها انطفأت المخاطر القادمة من الجنوب من حزب النهضة الاسلامي الذي أعطي نصيباً من السلطة في طاجكستان وسكت، وأخذ الجميع يستخدم كا ما أوتي من قوى لمكافحة فكرة إحياء الخلافة الاسلامية ومكافحة حزب التحرير. وقد بدأ ذلك منذ منتصف التسعينات إلا أنه اشتد بشكل فاضح بعد تفجيرات طشقند سنة 1999م والتي نفى حزب التحرير أي صلة له بها. وبدأت السلطات في أوزبكستان حرباً شعواء ضد أعضاء وقيادات حزب التحرير وأخذت تقتل المعتقلين في سجونها، وأخذ جماهير الناس يتطاولون على الحكومة بشكل قد شكل تياراً سياسياً جارفاً لا سيما أثناء تشييع جثامين أعضاء الحزب الذين تقتلهم قوى أمن كريموف رئيس أوزبكستان، وما كنت تسمع نشرة أخبار في اوزبكستان ولا تصريحاً للرئيس كريموف إلا ويبدي رعبه من حزب التحرير واحتمال نجاحه في إقامة الخلافة الاسلامية في آسيا الوسطى، وكانمت حربه على الخلافة والحزب علنية لا سرية.

إنشغلت آسيا الوسطى برمتها في الحرب السياسية الدائرة بين نظام إسلام كريموف في أوزبكستان وحزب التحرير الذي خرج للصراع  وقد أصبح قوة قد اشتد ساعدها، إذ كان حزب التحرير هو القوة الوحيدة فعلياً التي تقف في وجه كريموف، والآن وبعد عقد من الصراع فإن المسلمين في آسيا الوسطى لا يكادون يعرفون سوى حزب التحرير والخلافة كقوة سياسية يمكنها أن تكون بديلاً للوضع القائم.

وتقدر الكثير من منظمات حقوق الانسان أعداد شباب حزب التحرير في سجون كريموف بعشرات الآلاف. ومع الاعتقال والتعذيب والمعاناة والقتل في السجون فقد أصبح دعاة الخلافة قوةً جبارة في آسيا الوسطى قد صاغت مرحلة حاسمة في تحول أوزبكستان ومحيطها للعمل الاسلامي وجعلت بسطاء الناس ينظرون الى هذه القوة باعتبارها المخلص لهم من بؤس الفقر والحرمان التي يفرضها كريموف ويجعل بها من الشعب كافة عبيداً له في مزارع القطن في أوزبكستان.

إن الذي يهمنا هنا في هذا الموضوع من تلك الأحداث هو إحياء المركز الاسلامي سمرقند كمركز وعودته كمركز دافع للاسلام والدعوة الاسلامية ونشرها الى ما وراءه من بلاد. صحيح أن هذه المرة كان المركز منطقة فرغانا بالقرب من سمرقند، وهذه المنطقة والتي تضم مدناً كبرى كقوقند وأنديجان ونامنغان قد تحولت الى خطر داهم ليس على حكام آسيا الوسطى فحسب، بل وعلى الامبراطوريتين روسيا والصين، والتي أخذت تطلق النداءآت للتعاون من منظمة شنغهاي مع حكام آسيا الوسطى لتدارك الأخطار الاسلامية المتولدة من تأصل فكرة الخلافة الاسلامية في هذه المنطقة (فرغانا)، فأصبحت منطقة فرغانة رمزاً لما يعتبره الحكام في تلك المنطقة والروس والصينيون "أصولية إسلامية" غير قابلةٍ للمساومة على الرغم من أن سخونة الأوضاع في طشقند العاصمة وسمرقند وبخارى لا تقل عن منطقة فرغانا. وكانت مذبحة أنديجان سنة 2005م التي دبرها نظام كريموف والجنود الروس ضد عائلات شباب حزب التحرير المعتقلين محاولةً في إذلال الناس إذ تم قتل ما يقارب ألف مسلم بسبب التظاهر ضد النظام.

لم يتمكن الحكام من حصر الصراع مع حزب الترحير في أوزبكستان وحدها، فبدت الأوضاع كمرجل شديد الحرارة قد انفجر في أوزبكستان وأخذ يغلي بآسيا الوسطى برمتها فالتحق حكام كازاخستان وترمكنستان وطاجكستان وكيرغيزية بالرئيس كريموف في حملته ضد الحزب فطالت الاعتقالات والملاحقة الآلاف من أعضاء الحزب في هذه الجمهوريات. وبلغ من حدة الموقف في آسيا الوسطى والمخاطر التي تحيق بالمستعمرين فيها أن التحقت روسيا نفسها بهذه الحملة فاعتبرت حزب التحرير حزباً ارهابياً واعتقلت من طالتهم من أعضاءه على أراضيها وزجت بهم في سجونها لا سيما أولئل ذوي الأصول الأوزبيكية، ودانت مدن إسلامية في الصين لفكرة الخلافة وأصبح الصراع من أجل إعادة الخلافة مسألة صينية داخلية في مناطق تواجد وتركز الأيغور الغربية.
 وليس هذا فحسب فقد أرسلت أمريكا المظليين سنة 1997م الى جنوب كازاخستان المحاذية لأوزبكستان وللمرة الأولى مباشرة من واشنطن وأعلنت بأن ذلك لطمئنة حكام آسيا الوسطى بأن القوات الأمريكية ستساندهم في حالة إنهيار أي من تلك الأنظمة أمام "الأصولية الاسلامية" وأرسلت أمريكا البعثات المتوالية لدراسة وتقييم أخطار حزب التحرير على آسيا الوسطى. وأمام ترنح هذه الأنظمة للانهيار فقد سمحت أنظمة الحكم في آسيا الوسطى لأمريكا ببناء قواعد عسكرية على أراضيها على أمل أن يتمكن الحكام من الانتقال اليها والفرار عبرها للخارج في حالة أي انقلاب لأوضاع حكمهم الساخنة لا سيما وأن هذه الأنظمة كانت ترى ضعف روسيا فكانت تشك في إمكانية إسناد روسيا لها عسكرياً أمام مخاوفها من شعوبها، تلك الشعوب التي تبنت الاسلام عقيدة ومنهج حياة في الدولة والمجتمع ورأت هذه الأنظمة أن هذه الشعوب مصرة على إسناد حزب التحرير وإيصاله الى بناء الخلافة الاسلامية في آسيا الوسطى.

وهكذا فإن فكرة الاسلام السياسية قد وجدت بزخم في آسيا الوسطى، ورغم القتل والاعتقال إلا أن هذه الفكرة والقاضية بوجوب الحكم بالاسلام قد تأصلت في تلك المنطقة وارتبطت بحياة الكثيرين في آسيا الوسطى مما يجعل القضاء عليها مستحيلاً، بل إن تأثيرها لا يزال يضرب بالامبراطورية الروسية وينقل السخونة الى كل أماكنها، فالمظاهرات التي قام بها تتار القرم جنوب أوكرانيا مطالبين بعودة الخلافة الاسلامية سنة 2007م تدل بشكل واضح على التأثير المتنامي لحزب التحرير في آسيا الوسطى في كافة مناطق الاتحاد السوفييتي، وربما كانت آسيا الوسطى منطقة فريدة في احتضان فكرة الخلافة الاسلامية والداعين لها على مستوى العالم الاسلامي أجمع.

وعلى الرغم من وجود حركات إسلامية أخرى في آسيا الوسطى فتسمع بين الحين والآخر عن جماعات أوزبيكية مقاتلة مع طالبان داخل أفغانستان وفي منطقة وزيرستان الباكستانية، وكذلك مثل الحركة الأكرمية في أوزبكستان التي يذكر الاعلام أن زعيمها أكرم جان قد انشق عن حزب التحرير واتخذ العمل العسكري المباشر طريقة لإقامة الخلافة في أوزبكستان، تلك الحركة التي اتهمها الرئيس كريموف بمهاجمة السجون الأوزبيكية سنة 2005م في محاولة لاطلاق سراح المعتقلين، وكذلك جماعات صغيرة أخرى، إلا أن الواضح بأن حزب التحرير قد تمكن من السيطرة شبه الكاملة على ثلة العمل الاسلامي التي كانت متواجدة إبان الحقبة الشيوعية والتي قادت العمل الاسلامي بشكل عام فيما بعد، ومما يستنبط من ملفات الاعتقال التي تتداولها منظمات حقوق الانسان أنه على الرغم من انخراط الكثير من قيادات الحزب الشيوعي السابق في حزب التحرير في أوزبكستان إلا أن نجاح الحزب في استقطاب المسلمين الأوائل قد مكنه من أن يكون الحركة الأقوى والأكبر ليس على صعيد القوى الاسلامية في آسيا الوسطى بل وعلى مستوى القوى السياسية العاملة في آسيا الوسطى عموماً، إذ لا يوجد في تلك المنطقة حركات معارضة حقيقية حتى ولو كانت علمانية، فالأحزاب العلمانية هشة وضعيفة فمثلاً تلاشت حركات "إيرك" و"برليك" في أوزبكستان بمجرد صدور قرار بحظرها من الرئيس إسلام كريموف مطلع التسعينات، ولم يعد لها أثر قبل أن يستكشف النظام حاجته اليها بعد بروز قوة حزب التحرير في أوزبكستان، ورغم عودة بعض القوى العلمانية للبروز كمعارضة إلا أن الناس يرون ضعفها وأن عودتها كانت ببرمجة من النظام الحاكم، فلا يوجد لها أثر في حياة الناس.

وهكذا فإن هذه المنطقة أي آسيا الوسطى ورمزها منطقة فيرغانا قد أصبحت منطقة مشعةً بنور الاسلام ترفض تلويثه بأي فكر يقبل للغرب أو لروسيا أو للصين بنفوذ في بلاد المسلمين. والأفكار والكتب التي تنطق بذلك يتداولها الناس بينهم رغم مخاطر السجن فتبقى هي وحدها دون غيرها التي تصوغ عقلية الأجيال في آسيا الوسطى، بل وفي مناطق تواجد المسلمين في الاتحاد السوفييتي السابق. وبهذا الواقع فإن هذه المنطقة عموماً لا يوجد فيها من يمكن للغرب أن تسميهم قوى معتدلة يمكن بهم التأثير على المركز أي أن هذه المنطقة قد أصبحت جزءً من المركز منذ منتصف التسعينات، بل إن القوى الدولية تؤيد سياسات حكام تلك المنطقة بحصر علاقات شعوبهم بغيرها من الشعوب الاسلامية حتى لا يكون ذلك نقلاً للحرارة الاسلامية الملتهبة من آسيا الوسطى الى مناطق أخرى من العالم الاسلامي.

وبهذا يتقلص واقع فكرة أمريكا في التأثير على المركز من الأطراف بسبب استمرار انتقال الكثير من الأطراف (كآسيا الوسطى وباكستان وأفغانستان) الى المركز، وواقع تقلص إمكانيات العمل للغرب ضد الاسلام يشير بقوة الى أن لحظة "فقدان السيطرة" التي يخشاها الغرب تقترب بخطىً أسرع من ذي قبل في العالم الاسلامي.

وعلى الرغم من فكرتي المركز والأطراف هي من إبداع مراكز السياسة الاستراتيجية في أمريكا إلا أن سياسات حقيقة في هذا المضمار ومتابعة تنفيذ هذه السياسات لها من واشنطن لم تشاهد بشكلٍ قوي بعد، ويمكن أن يؤدي تقلص الأطراف وفق المفهوم الأمريكي الى العدول نهائياً عن مثل هذه السياسة في واشنطن، وأن تبحث عن سياسة أخرى، والذي يرجح ذلك أن أمريكا تشاهد يومياً أحداثاً تعمل على تساقط الأطراف في المركز وبذلك تشعر أنها تواجه صعوبات تزداد بشكل يومي في مواجهة الخطر الاسلامي، وستبقى كذلك حتى تنقلب الأمور وترجح الكفة بعمل حاسم في بلد من البلدان الاسلامية، وبعدها يبدأ عمل المسلمين المنظم من أجل إخراج الغرب ومخلفاته من أنظمة حكم وثقافة وغيرها من حياة المسلمين لا سيما أن اتجاه تطور الأحداث وأوضاع المسلمين قد أخذ طريقاً واحداً وهو الصعود والرقي بالاسلام والبعد والابتعاد عن دول الكفر.
فمثلاً نشر الصور المسيئة للنبي الكريم في الدنمارك وإعادة نشر هذه الرسوم بشكل استفزازي وإن كشف عن إزدراء الكفار في الدنمارك بالمسلمين وعدم مخافتهم منهم فإنه يدفع قوى داخل العالم الاسلامي الى معاداة الغرب فيعمل على بلوة هوية عقائدية للمسلمين وبلوة صورة العدو لديهم، بأنه دول الكفر الغربية المستعمرة فعلاً لبلاد المسلمين ووكذلك الدول المعادية للمسلمين حكماً بدعمها للمستعمرين من دول الغرب الكبرى، ولعل مشاركة معظم الدول الكافرة صغيرها وكبيرها في حروب العراق وأفغانستان يساعد جماهير المسلمين بقوة على تحديد عدوها بأنه كل تلك الدول الكافرة.   

وذلك اليوم الموعود لقريب بإذن الله عندها سيلمس المسلمون بأنهم قد تحرروا نهائياً من كافة القيود الاستعمارية الغربية وغير الغربية وأنهم يبنون حياتهم وسياستهم الداخلية والغربية على اساس دينهم.
 وإن الصبح لناظره لقريب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق