الأحد، 20 مارس 2011

الجديد في تكالب الدول المستعمرة على أفريقيا

12/3/2008

الصراع الدولي على أفريقيا

مقدمة
أفريقيا قوس من الأزمات الممتدة شرقاً وغرباً ووسطاً، وما تكاد بؤرة ما في هذا القوس أن تهدأ حتى يتضاعف طول القوس ليمتد أكثر فيزج بشعوب ودول جديدة في هذا القوس اللعين من أزمات المستعمر المنقب عن الثروة والنفوذ. وقبل الخوض في هذه الأزمات فإن لأفريقيا تاريخ عظيم في الاسلام فقد انصهرت مبكراً الكثير من شعوب القارة في الأمة الاسلامية وأصبحت جزءً لا ينفصم عنها، فأفريقيا أرض  الهجرة الأولى لأصحاب رسول الله عليه السلام عندما دخلوا الحبشة يحتمون من قريش بالنجاشي، وأفريقيا جزء من البلاد العربية منذ فجر التاريخ وقبائل حمير اليمنية ترتبط بشمال أفريقيا ارتباطاً وثيقاً منذ ما يزيد على ثلاثة آلاف عام، فأصل تسمية القارة يعود الى اسم ملك التبابعة في اليمن الذي كثرت غزواته الى أفريقيا وهو أفر يقش بن قيس الصيفي واليه تعود تسمية البربر في شمال أفريقيا بهذا الاسم، وكان ذلك قبيل بعثة موسى عليه السلام، وكذلك فإن الكثير من القبائل العربية كانت تسكن على شاطئ البحر الأحمر الغربية في مصر والنوبة (السودان).
وأما في العصر الاسلامي فإن زحف جيوش الفاتحين قد ضم بلدان مصر وطرابلس (ليبيا) وكانتا تابعتين للدولة البيزنطية منذ عصر الخلفاء الراشدين، وفي العصر الأموي أكمل المسلمون فتح شمال أفريقيا بكامله بل وعبروا الى الأندلس، أما مناطق الصحراء وما تحتها بما فيها السودان فقد فتحته الدولة العباسية، فكانت حدود الاسلام في أفريقيا هي مناطق الغابات المطرية غرباً والبحيرات العظمى شرق تنزانيا شرقاً، أي أن أكثر من ثلثي أراضي أفريقيا قد دانت للدولة الاسلامية منذ وقت مبكر وأصبح أهلها مسلمون، ولا يزالون رغم أن حملات التنصير قد قضمت قليلاً من حدود الاسلام الجنوبية في أفريقيا.


وأما الدولة العثمانية فإن تركيزها الاهتمام في أوروبا في القرون الوسطى وضعف اهتمامها بأفريقيا قد ساعد الدول الأوروبية الكبرى أثناء فترات الاستكشاف على الوصول الى أفريقيا وتدشين عهد سيء الصيت من الروابط الأوروبية مع القبائل الأفريقية، وقد اشتهرت تلك الفترة بعصر الاستعباد الأوروبي للأفارقة، فقد كان مثلث التجارة الأوروبي الأفريقي الأمريكي معلماً كبيراً لتلك العلاقات الناشئة، إذ كانت السفن الأوروبية تحمل البضائع والسلع الى خليج غينيا فتفرغها هناك وتشتري بمردودها عبيداً تحملهم للعمل الزراعي في المستعمرات الأوروبية في أمريكا (العالم الجديد) ومن هناك تحمل السلع والمنتوجات الزراعية الى أوروبا، وهكذا دواليك، وقد نقلت سفن الاستعباد الأوروبية تسعة ملايين أفريقي الى أمريكا بين 1650م-1850م وقد مات منهم مليونين أثناء عمليات النقل، ولعل المنظمة الفرنسية التي ضبطت عام 2008م وهي تنقل الأطفال من دارفور وتشاد لبيعهم في فرنسا لا تزال ترنو للعودة الى عصر الاستعباد الأوروبي في أفريقيا.

وبعد عصر النهضة الأوروبي استعرت شهية الدول الأوروبية للاستعمار في البلدان الأفريقية واضظرت الى تقنينه فيما بينها، فانتقلت من الاهتمام باحتلال القلاع القريبة والمناطق الساحلية المهمة لطرقها البحرية في غرب القارة الأفريقية الى الغوص في بطن أفريقيا، ولما تراخت قبضة الدولة العثمانية في أوروبا زاد استعار الاستعمار الأوروبي وأخذت تحاول قضم شمال أفريقيا من العثمانيين، وكادت الحروب تشتعل بين الدول الاستعمارية نفسها بسبب تكالبها على المستعمرات حتى تم تنظيم الاستعمار فيما بينها في مؤتمر برلين سنة 1884م والذي يعتبر بمثابة سايكس بيكو أفريقيا، فقسمت القارة بين الدول الأوروبية وكان نصيب الأسد من حيث الأهمية لبريطانية فقد استعمرت الخط الأطول في أفريقيا الممتد من مصر شمالاً الى جنوب افريقيا جنوباً عبر السودان والبحيرات العظمى بالإضافة الى الجزء الملاصق لباب المندب من الصومال ومناطق في خليج غينيا (نيجيريا وساحل العاج وسيراليون)، وأما فرنسا فكان لها النصيب الثاني والأكثر مساحةً والممتد من شمالي أفريقيا في الجزائر وتونس والمغرب وحتى نهر الكونغو جنوباً، وقد أعطت بريطانية وفرنسا باقي المناطق الأفريقية للدول الأوروبية الأقل أهمية كايطاليا واسبانيا والبرتغال وألمانيا.

وفي منتصف القرن العشرين أي بعد الحرب العالمية الثانية فإن تغييرات جوهرية قد طرأت على حالة القوى الكبرى، فقد ضعفت فرنسا وبريطانية كثيراً، فبعد أن تحررت مستعمرات ألمانيا وإيطاليا على أثر هزيمتهما في الحرب العالمية الثانية فقد ظلت فرنسا وبريطانية تمسكان بمستعمراتهما الأفريقية، وبقي الوضع كذلك رغم ضعفهما، إلا أن ظهور الاتحاد السوفييتي كقوة كبرى على الحلبة الدولية ورفعه شعار التحرر من الاستعمار قد ساهم بشكل لا بأس به في تحرير المستعمرات الأوروبية فهزمت فرنسا شر هزيمة في الجزائر وكانت روسيا تمد الثورة الجزائرية بالسلاح عن طريق جمال عبد الناصر.
وعلى الجانب الآخر من المحيط فقد أنتجت الحرب العالمية الثانية الولايات المتحدة كأبرز قوة دولية والتي أخذت تطمع في ميراث المستعمرات من الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية، إلا أن ذلك لم يحصل ولم تتخل بريطانية وفرنسا عن مستعمراتهما وظلت تلك المستعمرات تمد تلك الدولتين بشريان من العظمة.
ولما كانت أفريقيا أقل أهمية من مناطق أخرى في العالم كالشرق الأوسط فإن صراع النفوذ بين أمريكا وفرنسا وبريطانية قد تأجل كثيراً في ظل إنشغال أمريكا بالمناطق الأكثر أهمية عن أفريقيا وفي ظل التركيز الأمريكي في سياسة احتواء الاتحاد السوفييتي. لكن العملاقين روسيا وأمريكا قد اتفقا مبكراً على إخراج بريطانية وفرنسا من مستعمراتهما وأقامتا حركات قوية لخلخة نفوذ أوروبا القديمة في مناطق المستعمرات وقد أفضى ذلك الى ثورة الاستقلال في الكثير من الدول الأفريقية بداية الستينات، لكن بريطانية وفرنسا بقيت تحتفظ بنفوذ سياسي وثقافي وعسكري واسع في تلك المناطق، فبقي الوجود الأمريكي ضعيفاً نسبياً في أفريقيا برمتها وظل الحال هكذا حتى انهيار الاتحاد السوفييتي.
عندها زادت المساعي الأمريكية لقضم النفوذ الأوروبي في أفريقا وتوسيع نفوذها في القارة، وبقيت صراعات النفوذ الأوروبية الأمريكية تأخذ شكلها العادي من انقلابات أنظمة الحكم كما حصل في السودان ضد النميري، وبعد ذلك ضد المهدي وقدوم البشير، وكذا في مناطق أخرى من أفريقيا. لكن الصراع الأمريكي الفرنسي في رواندا سنة 1994م قد كان نذير شؤم وبؤس شديدين للقارة الأفريقية برمتها، فقد أودت المذابح التي أخذت طابعاً عرقياً في رواندا بحياة مليون ونصف المليون إنسان في أربعة أيام وكان التدخل العسكري الفرنسي هو الآخر مؤشر بالغ الخطورة في احتدام الصراع الأوروبي الأمريكي في القارة، فكان من ناحية يدل على عزم الولايات المتحدة طرد النفوذ الأوروبي بأي ثمن في الوقت الذي أبدت فيه فرنسا حزماً شديداً في الدفاع عن مصالحها.  

صراع النفوذ الأمريكي الأوروبي في القارة الأفريقية
وباستثناء البلدان العربية في شمال القارة الأفريقية فقد دخلت الدول الأفريقية القرن الحادي والعشرين وهي لا تزال أكثر بلدان العالم فقراً وتخلفاً فكرياً ومدنياً وظلت الأمية تستشري بين أبناءها، وهذا الواقع لا يزال يشكل تربة خصبة للاستعمار، فلا تزال صورة المستعمر الأوروبي مشرقة عند الغالبية العظمى من الأفارقة على الرغم من تاريخ الاستعباد الأوروبي للقارة، وعلى الرغم من بعض حركات التحرر من الاستعمار والتي خاضت فيها بعض القبائل الحروب مع المستعمرين وفقدت خلال ذلك الكثير من فلذات أكبادها، ولا يزال الاستعمار حتى اليوم قادراً على التأثير بقوة في القارة ما يجعل الكثير من الصراعات بالغة الدموية، فالمشهد الكيني في العام 2008م وبعد الانتخابات الرئاسية قد تحول بسرعة الى حرب قبلية قد حصدت المئات في بضع أيام بين أنصار الرئيس كيباكي والمعارضة بزعامة أودينغا، وقبله فإن مشهد الصراع في دارفور كان قد حصد عشرات آلاف المسلمين خلال الفترة اللاحقة لسنة 2004م، وقبل ذلك في رواندا فقد حصد النزاع مئات الآلاف من النفوس البشرية سنة 1994م.

والمشهد الدولي بعد 11 سبتمبر 2001م قد شهد الكثير من التغيرات بحيث جعلت الصراع الأمريكي الأوروبي يشتد في القارة الأفريقية ما ينذر بالمزيد من الدماء. والآن والعقد الأول لهذا القرن يوشك على نهايته فإن حقائق كبرى قد حملت بأمريكا لنقل نارها الى أفريقيا، أما ما هي هذه المستجدات فإنها على النحو التالي:

أولاً: تزايد ضعف الاقتصاد الأمريكي، وهذا يجعل الولايات المتحدة تفتش عن المنافع في كافة أرجاء المعمورة فإذا لم تتمكن منها في العراق فتشت عنها في أفريقيا، ولا شك بأن أوروبا لا تزال المستفيد الأول من خيرات القارة الأفريقية، فشركات الأخشاب البريطانية هي الأقوى في بلدان الغابات المطرية، ومناجم الذهب والماس في جنوب أفريقيا وبوتسوانا والكونغو وغانا تسيل لعاب الاقتصاد الأمريكي وتدفعه للتدخل في أفريقيا، ناهيك عن الخامات المعدنية الأخرى والمنتوجات الزراعية.

ثانياً: قفز النفط والغاز من اعتبارهما سلعة حيوية في العالم الى ما هو أكبر من ذلك، فإن هاتين السلعتين هما أهم خامات الأرض على الاطلاق في هذا الزمان من ناحية التحكم والسيطرة الدولية، فالدولة التي تمسك بهما تستطيع التحكم بمصير الدول الصناعية الأخرى، فهما فوق ما فيهما من لذة المنفعة الاقتصادية ما يسيل لعاب شركات النفط الأمريكية والأوروبية إلا أنهما قد أصبحتا أداةً سياسية للنفوذ الدولي، وإذا أضيف الى كل ذلك حقيقة الندرة النسبية للنفط وشراهة الاستهلاك العالمي له فإن النفط تحديداً قد أصبح بامتياز بوصلة السياسات الاستعمارية للدول الكبرى كافة. وفي هذا الإطار فإن أمريكا التي فشلت في السيطرة على هاتين السلعتين الحساستين في شمال أفريقيا أي في ليبيا والجزائر فإنها تحاول ما أوتيت من قوة السيطرة على النفط والغاز في نيجيريا وأنغولا.    

ثالثاً: الاندفاع الأمريكي أولاً باتجاه التفرد وعدم الاعتراف بأي من الدول الكبرى الأخرى بعد 11 سبتمبر 2001م قد هدد بابتلاع النفوذ الأوروبي بالجملة في أفريقيا، وعلى الرغم من عدم الاستسلام الأوروبي أمام هذه الحملة الأمريكية في غزو العالم تحت شعارات مكافحة الإرهاب والاصلاح والديمقراطية، فبدأت الدول الأوروبية تقوي من مؤسسات منظمة الوحدة الأفريقية وحولتها الى الاتحاد الأفريقي وقامت فرنسا بإنشاء قوة للتدخل السريع في أفريقيا وجعلتها جاهزة للحرب ضد أي خلخلة للنظم الأفريقية التابعة لها وأعلت صوت القذافي في الدعوة الى الولايات المتحدة الأفريقية وأنشأت أجهزة في الاتحاد الأفريقي أمنية الطابع وأعملت دعايتها لرفض الانقلابات العسكرية من أجل الحفاظ على أنظمة الحكم التي ترعى نفوذها،
 أي أن الجهوزية الأوروبية لم تكن تشير الى رفع الأعلام البيض أمام التمدد الأمريكي في أفريقيا. ورغم حدة الهجمة الأمريكية في العالم بعد 11 سبتمبر إلا أن موجة المد الأمريكية قد تكسرت فعلاً على صخرة المقاومة العراقية وتعرت الآلة العسكرية الأمريكية وتكبدت أمريكا خسائر فادحة قد خلخلت موقعها في المسرح الدولي، وعند ذاك فقد تمكنت الدول الأوروبية من ضرب موجة التمدد الأمريكي في أفريقيا، فقد أعادت موريتانيا بانقلاب عسكري الى حظيرة النفوذ الفرنسي، وأمدت عن طريق اليمن المحاكم الاسلامية في الصومال بالقوة ما دفعها لتهديد النفوذ الأمريكي في القرن الأفريقي، وعلى الرغم من أن أمريكا دفعت ميليس زيناوي في إثيوبيا لاحتلال الصومال والقضاء على المحاكم الاسلامية إلا أن الاحتلال الإثيوبي للصومال قد جلب المزيد من المتاعب للنفوذ الأمريكي في منطقة القرن الأفريقي برمته، ووقفت أوروبا بقوة خلف المعارضة الكينية لمحاولة إسقاط الرئيس كيباكي وإزاحة نفوذ أمريكا من كينيا، وبالمجمل فإن أوروبا قد أصبحت بعد المستنقع الأمريكي في العراق في وضع هجومي ضد المد الأمريكي المتزايد في القارة السمراء.

رابعاً: استعصاء العالم الاسلامي أمام النفوذ الغربي عموماً، فقد أخذت أمريكا تنقل جهودها الاستعمارية الى أفريقيا (جنوب الصحراء الكبرى) مندفعة بقناعة بأن الاستعمار في الشرق الأوسط أصبح مكلفاً لجنودها وخزينتها وأصبح كذلك خطراً ببروز القوى الاسلامية الساعية للتغيير الشامل في المنطقة وطرد النفوذ الأمريكي والأوروبي من المنطقة الاسلامية عموما، ولأن السوق الأمريكية أصبحت أكثر إدماناً على النفط المستورد حسب تعبيرات الرئيس جورج بوش وأمام المخاطر من فقدان السيطرة على النفط في الشرق الأوسط بترجيح احتمال الانقلاب الاسلامي الشامل فيه والذي تتوقعه الولايات المتحدة سنة 2020م فإن السعي الأمريكي للسيطرة على مخزون أفريقيا من النفط كان حتمياً،
 ولأن أوروبا تشارك الولايات المتحدة نفس الشعور بالخطر في الشرق الأوسط فإن دفاعها عن ثروات مستعمراتها الأفريقية سيكون شديداً. وعلى الرغم من أن مخزون النفط في القارة الأفريقية جنوب الصحراء لا يتعدى ال 4% من المخزون العالمي ويتركز في نيجيريا (3%) فإن أعظم المصالح الأمريكية في القارة الأفريقية تكمن في خليج غينيا حيث المناطق النفطية في نيجيريا. أي أن الصراع على أفريقيا يمثل من هذه زاوية هروباً للمستعمرين من الشرق الأوسط، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تستطع تأمين نفوذها في العراق وأفغانستان وتفكر في (نزع نفسها من تلك المناطق بأقل الخسائر الممكنة ودون توليد مخاطر أشد على السياسة الأمريكية) –حسب تعبير مجموعة خبراء أمريكيين- فإن نقل الصراع الى منطقة أخرى دون التمكن من الحسم في المنطقة الاسلامية الرئيسية يعتبر نوعاً من الهروب الى مناطق أقل أهمية من الزاوية الاستعمارية ولكن بناء النفوذ فيها يعتبر أقل كلفة لدول الاستعمارية من المشرق الاسلامي.

خامساً: إن اكتمال نمو التنين الصيني المتضخم اقتصادياً قد حمله على التفتيش عبر العالم عن مكامن الثروة، فكانت أفريقيا إحدى المحطات الهامة للتمدد الصيني. ولما أصبحت الصين ثاني أكبر دولة مستوردة للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة بسبب سرعة نموها الاقتصادي فإن البحث عن النفط والغاز والذي أصبح هاجساً صينياً قد أخذ أبعاداً جديدة في رسم معالم السياسة الصينية. وأمام تنامي الأخطار المحدقة بإمدادات النفط من الشرق الأوسط أو على الأصح من العالم الاسلامي حيث يحتدم الصراع بين الحركات الاسلامية والأنظمة التابعة للنفوذ الغربي في المشرق العربي وكذلك التابعة لروسيا في آسيا الوسطى حيث المخزون الثاني للنفط في العالم بعد الخليج فإن الصين كغيرها من الدول الصناعية قد أصبحت ترسم سياسة لما بعد هذه الحقبة من الصراع.
 ولما كانت إمدادات الطاقة الصينية تقع بين فكي الاستعمار الغربي في المشرق الاسلامي والروسي في آسيا الوسطى فإن أنظار الصين قد وقعت مبكراً على أفريقيا، أصبحت الصين كالولايات المتحدة تتحرك بوصلتها السياسية حسب رائحة النفط. أي أن أفريقيا قد مثلت للصين ملاذاً للتنقيب عن الثروة من الخامات الدفينة وأسواقاً لمنتوجاتها المتزايدة ومن ناحية أهم حلاً جزئياً ممكناً لعقدتها الجديدة وهي الطاقة. وهذه الاستراتيجية الجديدة للصين لا شك أنها تثير مخاوف قوى الاستعمار التقليدي في أفريقيا، فلا هي مرحب بها من الدول الأوروبية ولا من الولايات المتحدة الطامحة بالسيطرة على كامل القارة الأفريقية.
والذي يزيد المخاوف الأوروبية والأمريكية أن الصين تنفق مليارات الدولارات الفعلية في أفريقيا، وتقدم تسهيلات القروض الضخمة للدول الأفريقية دون حاجة تلك الدول الى شروط البنك الدولي أو غيره من مؤسسات المال التقليدية الغربية، وأن استثمارات النفط الصينية في السودان وغيره من البلدان الأفريقية تكاد تنافس شركات النفط الكبرى الأوروبية والأمريكية في تلك البلدان، وعلى الرغم من أن الصين تبحث عن النفط لنفسها وأن حاجتها للنفط بالغة الالحاح بسبب النمو الاقتصادي فيها وبسبب قرب نفاذ مخزونها من النفط –بعد خمس سنوات- والذي يمدها الآن بما يقارب أربعة ملايين برميل من النفط يومياً إلا أن الدول الاستعمارية التقليدية هي الأخرى تشتد حاجتها للنفط بسبب توقع نضوب النفط في الكثير من آبار الاستخراج حول العالم خلال العقد القادم إلا أنها تطمح في حرمان الصين من التزود بإمدادات الطاقة بشكل مستقل عن الاستراتيجيات الغربية وتريد باستخدام سيطرتها على النفط في الشرق الأوسط وأفريقيا التحكم في الاقتصاد الصيني.
 وعلى الرغم من أن الصين بتمدد نفوذها الفعلي في أفريقيا لا تشكل منافساً سياسياً فعلياً للدول الاستعمارية وأن شكوكاً كبيرة تنتاب الصين حول مدى ومستقبل هذا التوسع المفاجئ لنفوذها الاقتصادي في العالم إلا أن الدول الاستعمارية التقليدية تتخوف فعلاً من تطور المصالح الصينية في أفريقيا بحيث يدفعها الى الاصطدام مع نفوذها متسارع النمو في القارة، وعلى الرغم من عدم تجذر النفوذ الصيني الجديد في أفريقيا وأن هذا النفوذ اقتصادي الطابع إلا أن حدة مسألة الطاقة الصينية لا سيما بعد خمس سنوات تثير قلقاً مزعجاً في أوروبا وأمريكا من أن تصبح الصين في تصادم فعلي مع تلك القوى في أفريقيا.
 
سادساً: كانت المعارضة الفرنسية للحرب الأمريكية على العراق كفيلة بأن تبدأ الولايات المتحدة في تلقين فرنسا درساً في مناطق نفوذها الأفريقية، ولعل إدراك فرنسا لعظم الهجمة الأمريكية عليها في أفريقيا هو الذي دفعها الى التغيير في محاولة منها لإطفاء جذوة الهجمة الأمريكية، فتنصل الرئيس سارخوزي من سياسة سلفه شيراك وبدأ تدشين مرحلة جديدة في العلاقات الودية بين أمريكا وفرنسا، ولكن أمريكا التي كسبت النفوذ في معظم منطقة القرن الأفريقي لا تنفك ترسم سياستها وتركز على مناطق النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا باعتبار أهميتها النفطية لواشنطن، وأمريكا التي تنتابها هواجس بالغة الخطورة في المشرق الاسلامي تعتبر أن النفط النيجيري في خليج غينيا بالإضافة الى نفط فنزويلا في أمريكا اللاتينية هو الملاذ الثاني وإن كان قصير الأجل قياساً بالمخزون الهائل للنفط في منطقة الخليج. ولا يرجح اطلاقاً أن تستجيب أمريكا لأي غزل فرنسي يحاول منعها عن غرب أفريقيا.  

والآن وبفعل هذه الحقائق الخطيرة التي برزت حديثاً فإن أفريقيا قد تحولت فعلاً الى قوسٍ من الأزمات الساخنة والطاحنة في حروب النفوذ بين الدول الأوروبية وأمريكا، فلا تكاد تهدأ أزمة حتى تشتعل أخرى، وقوس الأزمات الأفريقية في تمدد مستمر، من الصومال وأوغادين في إثيوبيا والنزاع الحدودي بين إريتريا وإثيوبيا الى جنوب السودان وحركة التحرير الشعبية المدعومة من أمريكا الى دارفور والتدخلات الأوروبية في الشأن السوداني عبر القوات الأفريقية والدولية وأخيراً قوات الاتحاد الأوروبي في تشاد على حدود دارفور، وتمدد الصراع الى إنجامينا عاصمة تشاد، وفي الغرب يزداد خلق المتاعب للدول الأوروبية عن طريق إدخال الجماعات الجهادية الاسلامية ما يفاقم من حدة الصراع كما في مقتل الفرنسيين في موريتانيا. وتطورت الأمور الى استحداث قيادة عسكرية أمريكية لأفريقيا والتي تقوم الدول الأوروبية بتحريض الدول الأفريقية على رفض استضافتها على أرضها، وفعلاً تواجه الولايات المتحدة مصاعب جمة في وضع قيادتها العسكرية الأفريقية في البلدان التي تناسب الاستراتيجية الأمريكية في أفريقيا.
ولا يزال الصراع يحتدم ولن يحسم وستبقى دماء المسلمين وغير المسلمين في أفريقيا تسيل من أجل صراعات النفوذ على القارة بين الدول الأوروبية وأمريكا، أي أن قادة القارة الأفريقية لا يزالون يقدمون دماء شعوبهم قرباناً لمصاصي دمائهم من المستعمرين. وفي ظل خصوبة التربة الاستعمارية على الراضي الأفريقية فإن هذه الحالة المتشنجة من النزاعات والتي سرعان ما يتم تحويلها الى نزاعات إثنية أو صراع على الحكم وتفتيت البلد الواحد كما في السودان ستستمر، ولأن قوة الولايات المتحدة الاقتصادية والسياسية قد أخذت منحى ثابت في التراجع والضعف فإن حسم تلك الصراعات في أفريقيا قد أصبح مسألة أكثر صعوبة مما يزيد في تأجيجها وإعادة تأجيجها من جديد، وستبقى كذلك حتى يأذن الله بأمر كان مفعولاً. 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق