الأحد، 20 مارس 2011

أوزبكستان الفقر ونهب الاستعمار الروسي

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه الفقرات تتحدث بإيجاز عن بلد مسلم حكم عليه حاكمه بالتغييب عن العالم الاسلامي وربطه بالقوة بمنظومة روسيا الاستعمارية، هذا البلد أوزبكستان، كان عبر التاريخ مركزاً اسلامياً رائداً وها هو يعود من جديد كذلك رغماً عن حكامه الذين يقدمون خيرات بلادهم لقمة للاستعمار الروسي والأمريكي وكذلك الصيني في الوقت الذي يرزح فيه مواطنوه في فقر ونظام اقطاع من مخلفات القرن التاسع عشر.

أوزبكستان اليوم هي تلك البلاد الواقعة في قلب آسيا، وهي واسطة الحلقة الاسلامية في آسيا الوسطى ومساحتها 447 ألف كيلومتر مربع. أما سكانها فيربون على 25 مليون حسب إحصائية 2003. وبلاد آسيا الوسطى كلها بلاد عريقة في الاسلام، فقد بدأ دخول الاسلام اليها في عهد الفاروق عمر رضي الله عنه، واستمر توسع الفتح الاسلامي ما وراء النهر (جيحون) عقوداً بعد ذلك حتى تم فتح سمرقند وبخارى سنة 88 هجرية بقيادة قتيبة بن مسلم الباهلي رضي الله عنه على عهد الخليفة عبد الملك بن مروان. وأصبحت هاتين المدينتين العريقتين من مراكز الاسلام الهامة التي منها ومن شعوبها تنطلق حملات الفتح الاسلامي الى الشمال في ما يعرف اليوم بكازاخستان والى حوض الفولغا في روسيا اليوم والى الشرق باتجاه الصين. ونبغ من أهل البلاد في وقت مبكر مسلم والبخاري والترمذي وغيرهم كثير رضي الله عنهم.
 
أما اليوم فإن واقع القومية الأوزبكية قد أصبح محط اهتمام كبير لشعوب آسيا الوسطى وكذلك للقوى الاستعمارية الكبرى. وذلك أن الشعب الأوزبكي هو الشعب المركزي في آسيا الوسطى، وعلاوة على أن أوزبكستان هي أكبر الجمهوريات الاسلامية التي نالت الاستقلال بعد تفكك الاتحاد السوفييتي من حيث عدد السكان فإن الأوزبيك كشعب يعتبر مكوناً أساسياً في كافة دول آسيا الوسطى. وهي القومية الأكثر تأثيراً في آسيا الوسطى بحكم الكثرة السكانية والتوزيع، ولأن هذا الشعب كان سباقاً الى حمل الاسلام من جديد، فأصبح الأوزبكي الآن متهماً من كافة حكومات آسيا الوسطى بالأصولية وتتوجس منه تلك الحكومات خيفةً بأنه يسعى لقلب أنظمتها السياسية وبناء الخلافة الاسلامية، وأصبحت منطقة وادي فرغانة ومدنها الشهيرة أنديجان ونامنغان وقوقند وغيرها تعقد لأجلها المؤتمرات الدولية في منظمة شنغهاي في بحث آليات العمل الاستخباري والسياسي في محاولات فاشلة بإذن الله لاستئصال شجرة الاسلام المتعاظمة التي غرسها المخلصون من حزب التحرير وغيره من الرحكات المخلصة. وانتقل الاهتمام الاستعماري من روسيا وأمريكا والصين وكذلك الدول الأوروبية واسرائيل ليتركز في أوزبكستان دون غيرها من دول آسيا الوسطى على الرغم من أنها ليست أغنى تلك الدول ثروةً، وإنما لأنهم يرون الاسلام العظيم يهدد كافة مصالحهم في كافة دول آسيا الوسطى منطلقاً من أوزبكستان. 

أما من ناحية الثروة فإن أوزبكستان لا تقبع فوق بحيرة من النفط كمشيخات الخليج، ولكنها مثال صارخ على النهب الاستعماري قديماً وحديثاً.
كانت الأراضي الزراعية الخصبة والمياه الوفيرة والسهول المشمسة في أوزبكستان وآسيا الوسطى تمثل حلماً للمستعمر الروسي والذي تعتبر المنتوجات الزراعية والغذاء وقلة الشمس أهم مشاكل بلاده في الشمال. بنت روسيا عظمتها على توسعها في الأصقاع الشرقية السهلة بعيداً عن أراضي الدولة العثمانية، ولكنها عادت وأخذت تتوسع جنوباً عندما ضعفت الدولة العثمانية وتفككت عنها إمارات آسيا الوسطى، ومع نهاية القرن التاسع عشر بلغت روسيا أقصى الجنوب في آسيا الوسطى على حدود أفغانستان. وبخلاف الكثير من القوى الاستعمارية فإن الاستعمار الروسي تميز بالاستيطان، وأخذ المحاربون الروس يجلبون عائلاتهم ويبنون المستوطنات الزراعية في أراضي أوزبكستان وغيرها، ويعملون على تطوير تلك الأراضي وكأنهم باقون فيها الى الأبد. وكان الشعب الأوزبكي بكامله يؤدي الخدمة الزراعية لصالح الأعنياء المستوطنين الجدد، لكن ضعف التصنيع الغذائي في القرن التاسع عشر كان يحول دون نقل المنتوجات الزراعية الغير قابلة للتجفيف لعموم روسيا، وأخذت روسيا القيصرية تنقب عن المعادن في باطن الأرض وتنقلها بالكامل الى روسيا.
ومع تبدل النظام السياسي في موسكو التي أصبحت دولة شيوعية سنة 1917 فإن أوزبكستان قد نالت صفة جمهورية كونفدرالية سوفييتية وأقيمت في طشقند حكومة محلية. ولكن هذا كان شكلياً، أما الجوهر فإن هذه الحكومة المحلية مسؤولة عن إدارة الشؤون غير المهمة وبالتنسيق التام مع موسكو، ولكن القضايا المهمة مثل إنتاج الذهب والغاز الطبيعي والقطن تعتبر قضية مركزية تديرها موسكو بشكل مباشر دون اي علاقة أو تدخل للحكومة المحلية في ذلك، وبقي هذا النظام على هذا المنوال حتى بعد نيل أوزبكستان استقلالها بتفكك الاتحاد السوفييتي بقليل سنة 1991، فقد منعت إدارة مناجم الذهب في مدينة نافوي جنوب أوزبكستان رئيس أوزبكستان كريموف من دخول هذه المناجم، كان ذلك بعد نيل الاستقلال بشهور، والحجة أن هذا الرئيس لا يحمل تصريحاً من الادارة في موسكو. ولكن بعد تسوية قضايا تركة الاتحاد السوفييتي فقد أصبحت هذه الممتلكات ملكاً لجمهورية أوزبكستان من الناحية الرسمية.

وطوال حقبة الاتحاد السوفييتي كانت النسبة الأعظم من الشعب الأوزبكي تعمل خدماً بل قل عبيداً لموسكو في مزارع القطن في أراضي أوزبكستان، وكان هذا القطن يشغل كافة مصانع النسيج التي أقيمت في روسيا التي لا تزرع القطن ويشغل عشرات الآلاف من عمالها. وفي الوقت الذي كان الروس فيه يلبسون أفضل الملابس القطنية الصحية المصنعة في مصانعهم ويصدرونها الى أوروبا الشرقية كان أهالي أوزبكستان يعاركون الفقر يكاد يصرعهم، بيوتهم من الطين ولا تزال، والمستوطنون الروس يبنون العمارات الأسمنتية ويسكنونها في اوزبكستان.
كانت أراضي أوزبكستان في الحقبة السوفييتية مرتعاً زراعياً كاملاً لموسكو، فكانت تنتج منها 50% من أرز الدولة العتيدة، و68% من قطنها (باقي الكمية القطنية كانت من جمهوريات اسلامية أخرى في آسيا الوسطى مثل كازاخستان وطاجكستان)، وثلث الأصواف الحيوانية في الدولة، و85% من ألياف القنب، بالاضافة الى الثروة الحيوانية الهائلة. أما المعادن فقد كانت موسكو تنتج من أوزبكستان لوحدها 75 طناً من الذهب الخالص سنوياً، وكميات كبيرة من الغاز وكميات أقل من النفط، ناهيك عن اليورانيوم والفضة والنحاس والزنك والتنجستن واليلبيديوم (وهو معدن هام نادر) بكميات تعتبر من أسرار الدولة. وكانت مدن روسيا تتزين بالأحجار الكريمة المستخرجة من أوزبكستان في الوقت الذي كادت فيه أوزبكستان تفقد تراثها المعماري في المساجد والمدارس الدينية والساحات الجميلة دون أي جهد يذكر حتى لترميم هذا التراث ناهيك عن تطويره، وكان التطوير الوحيد في أوزبكستان يتمثل في مدينة طشقند العاصمة لوحدها والتي يسكن فيها الى جانب الأوزبيك أكثر من مليون روسي كانوا عصب روسيا في استعمار أوزبكستان ومديري إداراتها المحلية. وفي الوقت الذي كان رئيس الجمهورية ينتمي الى القومية الأوزبيكية كان الروس يحيطونه في كافة مرافق الدولة الإدارية والاستخبارات والتي تتبع موسكو مباشرة.

كان واقع الريف الأوزبكي يشكل وصمة عار في جبين الاستعمار الروسي الاشتراكي، ومن كان يتجول في أرياف اوزبكستان لم يكن يصدق أبداً بأن هذا الفقر المدقع موجود على أراضي الدولة السوفييتية، فكان المزارع الأوزبكي بالكاد يحصل على قوته ليس أكثر، إذ إن أرضه حول منزله ملك للدولة ولا يستطيع أن يزرع فيها محصولاً دون إذن الدولة على أن يكون المنتوج ملكاً للدولة لا للمزارع، وهذا المنتوج يذهب ليصنع وسط روسيا في مدينة الصناعات النسيجية "إيفانفا"، وأما الآلات الزراعية التي لا بد منها لمزرعة روسيا في أوزبكستان فتنتجها مصانع موسكو وفيشوغا، وأما أوزبكستان فمحرومة من التصنيع.
ولم يكتف الكفار الروس بنهب الخيرات الزراعية والمعادن، بل جاهروا لا سيما في الحقبة الشيوعية بعداء الدين وقتلوا علماء أوزبكستان، بل يحدث كبار السن ان الدماء كانت تسيل في شوارع وأزقة سمرقند وبخارى أثناء تنفيذ الحملات ضد الاسلام باسم الشيوعية.   
أما اليوم (2007) وعلى الرغم من 16 عاماً من الاستقلال الاسمي فإن ثلث الشعب الأوزبكي لا زال يعيش تحت خط الفقر، وقد قرر الرئيس الديكتاتور بأن الأرض ستبقى ملكية دولة محرمة على المواطنين أي أن الشعب الأوزبكي لا يزال يعيش نفس الطراز من الحياة الاشتراكية. وقد بالغت دولة كريموف في استعباد المزارعين بواسطة تأخير رواتبهم القليلة أصلاً لعام أو عامين، والكثير من عائلات أوزبكستان الريفية لا تجد ما تأكله سوى الخبز والشاي بسبب السياسات الزراعية التي يعتمدها كريموف والهادفة الى تكديس الثروة في حساباته البنكية الخاصة في مشهد من إقطاع الرئيس باسم الدولة غريب عن القرن العشرين ناهيك عن القرن الحادي والعشرين. وذلك على الرغم من أن أوزبكستان تنتج كميات خيالية من القطن (مليون و 300 ألف طن سنوياً) و10 مليون طن من الخضروات والفاكهة وهي يفترض أن تكون مكتفية غذائياً بامتياز. كما تنتج أوزبكستان ما يقارب 100 طن من الذهب سنوياً، وهي بذلك تاسع دولة منتجة للذهب وتملك رابع احتياطي عالمي منه، وتحتل المركز الثامن دولياً في انتاج اليورانيوم فتنتج 2400 طن سنوياً من هذه المادة الاستراتيجية، كما تنتج 100 ألف طن سنوياً من النحاس فتعتبر الدولة 11 في العالم في انتاجه، إلا أن كافة القوانين المعمول بها في البلاد قد جعلت الثروة بعيدة عن منفعة الشعب الذي يزداد فقره يوماً بعد يوم.
وقد استغل كريموف انحسار النفوذ الروسي بسبب انشغال روسيا بنفسها وعدم استجابتها في البداية لنفس السبب لنداءاته لمكافحة المد الاسلامي فاخذ يجوب العالم باحثاً عن دولة تعينه في همه الأعلى الذي يعلنه جهاراً نهاراً وعبر كافة وسائل إعلامه وهو حرب حزب التحرير والحيلولة دون إقامة الخلافة الاسلامية في أوزبكستان حتى وجد ضالته في واشنطن.
وهذا الرئيس يعتبر مثالاً نادراً في البحث عن الأسياد، فقد سارع في إدخال الولايات المتحدة ونفوذها الى آسيا الوسطى في الوقت الذي كانت أمريكا فيه لا تزال تراقب ضعف روسيا تريد أن تطمئن اليه، ودعاها الى بناء قواعد عسكرية لمقاومة المد الاسلامي وفعلاً بنت قاعدة ترميز الجوية في أوزبكستان، ولكن هذا الرئيس العبد سارع في العودة الى أمه التقليدية روسيا بعد انتهاء حقبة يلتسين وبروز بوتين رئيساً قوياً في موسكو، وقد جاهر بذلك مستغلاً إنشغال أمريكا بالورطة العراقية فطلب منها إزالة قاعدتها العسكرية تلك وانتقل للاعتماد كلياً على روسيا والتي قدمت له المساعدة الحقيقية بما في ذلك يوم الجمعة الدامي يوم 13/5/2005 عندما قتل حوالي 1000 من المتظاهرين من عائلات المعتقلين، تلك العائلات التي وقعت فريسة الاستخبارات في واقعة مدبرة بين روسيا وكريموف.
وعلى الرغم من أن روسيا هي الناهب الأكبر تاريخياً لخيرات أوزبكستان إلا أن أمريكا قد حازت فعلاً على بعض عقود النهب مثل عقد شركة "أوكسيس غولد" في منجم "أمانتايتو" في أوزبكستان، ومنذ 2003 تنتج هذه الشركة 190 ألف أونصة سنوياً، وتحاول الفوز بعقود أخرى على خط الذهب في آسيا الوسطى في أوزبكستان والبلدان التي حوله. وأما التنين الأصفر والمستعمر الجديد فإنه يرى في حوض بحر قزوين حلاً لعقدة الطاقة الصينية ويرى في أوزبكستان مصدراً للغاز الطبيعي ويرى فيها أيضاً مصدراً لأخطار المد الاسلامي ومصدراً لانتشار فكرة الخلافة الاسلامية والذي اجتاح المناطق المسلمة في الصين أيضاً، فإن الصين قد دخلت من جديد على خط الاستعمار والنهب والتدخل ومساعدة الحكام ضد شعوبهم المسلمة خوفاً وطمعاً. 

لكن أوزبكستان الخصبة أراضيها خصبة برجالها المؤمنين والذين تحسب لهم مراكز صنع القرار الاستعماري في موسكو وواشنطن وبكين ألف حساب، وهم لا شك قادمون ليس فقط من أجل إعادة توزيع الثروة الكبيرة في أوزبكستان بعد بناء الاسلام وإنما كما كان أجدادهم الأبطال ينظمون الحملات الجهادية لنشر نور هذا الدين في الشمال الى روسيا وفي الشرق الى الصين. وما ذلك على الله بعزيز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق