الأحد، 20 مارس 2011

واقع ايران في السياسة الأمريكية

6 كانون أول 2007

إيران بلد اسلامي شاسع المساحة كثير السكان، وهو بحق دولة كبرى ولولا حكامه لكان من الجدير  أن يكون له مكانة مرموقة في السياسة الدولية، وربما الأهم من كل ذلك الموقع الفريد الذي تتمتع به تلك الأراضي الإسلامية. فقديماً آوت تلك البلاد إحدى أكبر إمبراطوريتين على الأرض هي إمبراطورية فارس المنافسة لدولة الروم، وبتلاشي إمبراطورية فارس وهزيمة كسرى فقد زادت أهمية الأراضي التي تعرف اليوم بإيران فأصبحت معبراً للفاتحين المسلمين الى ما وراء النهر في آسيا الوسطى والصين وكذلك معبراً الى الشمال عبر القفقاز في إتجاه روسيا اليوم.
وقفزاً عن الكثير من مراحل التاريخ مروراً بالاستعمار فإن إيران لا تزال تتمتع بأهمية كبرى في المنظور الاستعماري الحديث، فبعد أن خرجت من دائرة النفوذ البريطاني أواخر سبعينات القرن العشرين بزوال حكم الشاه عنها، فقد عمل قائد الثورة الايرانية آية الله الخميني على إلحاقها بدائرة النفوذ الأمريكي، وبسبب الموقع الفريد لإيران فإنها كانت تحقق الكثير للمصالح الأمريكية، فناهيك عن المخزون النفطي الهائل في إيران والذي حرم النفوذ الأمريكي في إيران الدول الأوروبية من التحكم به فإن مصالح أمريكا فوق ذلك كانت عبر إيران في المرحلة الأولى للثورة الايرانية على النحو التالي:
    1.     التهديد بإقلاق الجمهوريات الاسلامية السوفييتية في جنوب الاتحاد السوفييتي. وقد تنبهت موسكو فوراً للأخطار المحتملة من الثورة الاسلامية على جمهورياتها الجنوبية معتبرةً من الدلالة الرمزية للرسالة الشهيرة المرسلة من الخميني الى غورباتشوف بداية الثمانينات يدعوه فيها الى الاسلام فقامت بتكثيف ملاحقاتها لحملة الدعوة الاسلامية وإغتيال بعضهم، بل وقامت بنشر أسلحة نووية تكتيكية تحسباً لمغامرة ثورية من الآيات والعمامات الإيرانية.  
    2.     تهديد النفوذ الإنجليزي في الخليج العربي. وقد تنبهت بريطانيا الخاسرة للشاه في إيران مبكراً وقامت بدفع العراق للبدء بالحرب على إيران، تلك الحرب التي دامت ثماني سنوات وفعلاً أفقدت الثورة الايرانية الزخم الذي كانت تنطلق به في البداية.

لكن تلك المصالح الأمريكية قد تغيرت كثيراً بعد هزيمة الشيوعية وزوال الاتحاد السوفييتي فتوسعت المصالح التي يمكن لأمريكا تحقيقها عبر إيران فأصبحت إيران من جديد في مركز التخطيط الاستراتيجي الأمريكي. فعلى صعيد الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفييتي كانت إيران تدعم حزب النهضة الاسلامي في طاجكستان والذي هدد نفوذ روسيا بقوة ولعدة سنوات مطلع التسعينات قبل ان يستتب الأمن في دوشنبة عاصمة طاجكستان ويتم إشراك هذا الحزب في الحكم في طاجكستان بشكل رسمي. وكان التدخل الايراني في طاجكستان تحت ذريعة العرق الفارسي والاسلام، ومما يؤكد أن ذلك كان مشروعاً أمريكياً  للولوج الى آسيا الوسطى فإن إيران لم تكن تقدم الدعم الحاسم لتحالف الشمال الأفغاني على الرغم من توفر عوامل الاسلام والعرق الفارسي "الطاجيكي" عند قادة التحالف برهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود، والمرجح أن ذلك كان منسجماً مع الدعم الأمريكي عبر باكستان لحركة طالبان قبل أن تنعتق تلك الحركة من النفوذ الأمريكي، بل إن الدعم الأقوى الذي كان يتلقاه تحالف الشمال كان روسي المصدر، وكانت روسيا تريد أن تمكن تحالف الشمال من وقف حركة طالبان التي بدت وكأنها تزحف باتجاه الجمهوريات الاسلامية في آسيا الوسطى.

أما على صعيد الحركات الاسلامية فإن أمريكا كانت بعد الثورة الاسلامية في إيران ولا تزال حتى هذه اللحظة تحاول بسياساتها دفع الحركات الاسلامية المعادية للولايات المتحدة الى أحضان إيران وذلك حتى توقعها في دائرة أخرى غير مفصولة عن النفوذ الأمريكي. وإيران بما تملكه من نفوذ طبيعي لملاليها على نشطاء العمل الاسلامي في أوساط المسلمين الشيعة وبما تملكه من إمكانيات للتمويل نظراً لوفرة الموارد النفطية فإنها كانت مؤهلة للنجاح في هذا الدور. ومن الجدير ملاحظته أن الولايات المتحدة وهي في أوج شراستها في السنوات الأربع اللاحقة لأحداث سبتمبر 2001 لم تطلب من إيران أن تخدمها راكعةً كما كانت تطالب ذلك من سوريا وباقي الدول، وعملت على تعمد إخفاء علاقاتها الحميمة مع إيران نظراً للمستجدات الخطيرة في التخطيط الأمريكي للمنطقة، تلك المخططات التي يجب على إيران أن تقوم فيها بدور المحور المقابل للمحور الأمريكي.  

أما النظرة الأمريكية الجديدة فقد وجدت في إيران كنزاً متعدد الأوجه، فإنها فوق قدراتها على القيام بالأدوار التقليدية المنوطة بها وهي الاستمرار في إختراق الجماعات الاسلامية ومحاولة جرها الى محورها كما تفعل في تمويل حركات الجهاد الفلسطينية حماس والجهاد وكما هي ناجحة أيما نجاح مع حزب الله في لبنان وما يمكن لهذه النجاحات أن توظف في خدمة المشاريع الأمريكية للمنطقة، وفوق استمرارها في محاولة الاختراق للنفوذ الروسي في آسيا الوسطى، وإن كانت هذه النقطة تشهد فتوراً في الظرف الحالي نظراً لحاجة إيران للمساعدة الفنية الروسية في بناء قدراتها النووية من ناحية، ومن ناحية أخرى نظراً للقدرات العالية التي ابدتها واشنطن في إختراق آسيا الوسطى بنفسها وبالتالي عدم حاجتها للمساعدة الايرانية إلا أن ذلك الدور الايراني لم ينتف بالقطع، ودليل ذلك أن الولايات المتحدة هي التي تطرح مد خط أنابيب الغاز من آسيا الوسطى عبر إيران للخليج العربي من أجل حرمان روسيا من الإستئثار بغاز المنطقة وبالتالي إيجاد منافذ غير روسية لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي أي عبر إيران. والنتيجة أن الدور الايراني في آسيا الوسطى وكذلك في حوض بحر قزوين لم ينته أمريكياً وهو قابل للتفعيل في الوقت المناسب.

وليس هذا فحسب فقد كانت التهديدات الايرانية لدول الخليج وسقوط بعض الصواريخ الايرانية على الكويت أثناء الحرب العراقية الايرانية قد أدخلت البوارج الأمريكية الى الخليج لحماية ناقلات النفط. ومن الجدير ملاحظته والتركيز عليه وهو ما يكشف دوران التوجهات الايرانية مع المصالح الأمريكية أن التهدجيد الايراني قد اختفى كلياً بعد بروز التهديد العراقي باجتياح الكويت، إذ إن إيران قد تقزمت خليجياً بشكل لافت، واستمر اختفاء التهديد الايراني حتى زوال النظام العراقي كلياً بالحرب الأمريكية على العراق عام 2003، وبعد انتهاء التهديد العراقي للخليج عاد التهديد الايراني بشكل هائل وشعاره هذه المرة التهديد النووي وإبراز المسلمين الشيعة في دول الخليج. ومن هذا يتضح أن إيران تعمل وفق مقتضيات السياسة الأمريكية.

ولا يخفى على عاقل أن العداء الايراني للولايات المتحدة ورفعها شعار الشيطان الأكبر ما هو إلا خديعةً كبرى، فقد خاض الشيطان الأكبر ثلاثة حروب طاحنة سنة  1991 وسنة 2001 وسنة 2003  قرب الحدود الايرانية وتوفرت كافة الإمكانيات لإيران للنيل من الشيطان الأكبر، إلا أنها لم تفعل شيئاً يهدد جيوش ذلك الشيطان، بل كانت تساعده في الخفاء فأطلقت من أرضها  50 ألف مقاتل عراقي للقيام بثورة الجنوب بعد حرب 1991 واعتقلت أفراد طالبان والقاعدة الفارين من جحيم المعارك في أفغانستان وفوق كل ذلك لم تقم بإسقاط أي طائرة أمريكية كانت تخترق حدودها أثناء قصف أفغانستان والعراق في تلك الحروب الثلاثة على الرغم من كثرة تلك الخروقات الجوية.

وأما الجديد في التفكير الأمريكي للدور الايراني في المنطقة فإنه يمد أذرع إيران بعيداً عن حدودها لتصبح دولة إقليمية بامتياز، بل وفي بعض الحالات دولة أكبر من إقليمية وذلك على النحو التالي:
    1.     العداء الأمريكي المعلن لايران يمكنها من رص الدول والقوى الخانعة والتي تسميها واشنطن معتدلة وراء القيادة الأمريكية بشكل علني وتخويفها من إيران، ومن أجل هذه الغاية فإن إيران تعلن بشكل مستمر عن استمرار تطوير أسلحتها وعن إنجازات عسكرية مهمة ناهيك عن البرنامج النووي. وعلى الرغم من أن الدول المحترمة تكشف حروبها عن ترسانتها العسكرية إلا أن إيران تقوم باستعراض إعلامي لقوتها ومن ذلك يتبين أن الهدف هو التخويف وليس شن حروب والانتصار فيها. وفعلاً تقوم الولايات المتحدة بحشد حكام العرب الخانعين مخوفة إياهم من ايران، وهذا يجعل كافة الدول في المنطقة حتى تلك المدرجة في دائرة التأثير الأوروبي مرصوصة خلف القيادة الأمريكية قائمة على تنفيذ المشاريع الأمريكية، أي أن أمريكا عن طريق التهديد الايراني تقوم فعلياً بتهميش أي نفوذ غير أمريكي في المنطقة، وتلاقي هذه السياسة الأمريكية نجاحاً معتبراً في دول الخليج. وأما القوى غير الراضية عن السياسة الأمريكية لا سيما القوى الحزبية الاسلامية فإنها تنظر بإعجاب الى تحدي ايران للولايات المتحدة ما يجعلها تصطف مع القوى التي تسمى قوى الممانعة أي في المحور المسمى إيرانياً. ولولا الورطة الأمريكية في العراق وعدم انخداع المقاومة العراقية بالمحور الايراني لكان النجاح الأمريكي فائقاً في هذه السياسة.  

    2.     عندما انتفض مفكرو القرن الأمريكي الجديد على ميراث سايكس بيكو في الشرق الأوسط فإن الدور الايراني قد أصبح كنزاً للسياسة الأمريكية نظراً لقدرتها أن تكون أباً وحاضناً للمسلمين الشيعة في المنطقة الاسلامية برمتها. وفعلاً أصبح التدخل الايراني ذو البعد الطائفي بارزاً بشكل مخيف في العراق وراسخاً في لبنان ومهدداً في دول الخليج ومحاولاً الاختراق في باكستان وأفغانستان. وتعتبر المناطق النفطية حول الخليج هي المنطقة الأكثر حساسية في السياسة الأمريكية، وما تحلم به أمريكا هو تشكيل الدولة العربية الشيعية في جنوب العراق ومد حدودها الى شرق الجزيرة العربية حيث النفط لتصبح دولة النفط الأولى في العالم تحت الحماية العسكرية الأمريكية المباشرة. لكن صلابة المقاومة العراقية قد أربك تنفيذ هذه المشاريع الأمريكية ولكن واشنطن لم تتخل عن تلك المشاريع وستبقى تحاول إبرازها فوق السطح، إلا أن فقدان الكثير من المحافظين الجدد من حول الرئيس بوش في الادارة الأمريكية وقرب الانتخابات قد أجل تنفيذ هذه المشاريع والتي ربما اقتنعت أمريكا بان المنطقة لم تنضج بعد لتنفيذ هكذا مشاريع.  

    3.     إيران القوية والدولة النووية ستشكل رادعاً قوياً لاسرائيل ما يحملها على لملمة نفسها تحت الحماية الأمريكية ناهيك عن التفكير في التوسع. وقد بدأت المخاوف الاسرائيلية من إيران تبرز بشكل جدي في عهد الرئيس أحمدي نجاد والذي بدأ بإنكار المحرقة اليهودية دون أن يكون لذلك مناسبة في السياسة الدولية أو الاقليمية وعمل على تسليح حزب الله بشكل أفقد اليهود صوابهم. وفعلاً فقد قلبت المخاوف اليهودية من إيران نووية وقوية التفكير الاستراتيجي في إسرائيل وأصبح اليهود يفكرون في الأخطار الوجودية، وفي البداية فإن إسرائيل التي كانت تفكر بعنجهية الانتصارات التي قدمها لها حكام العرب قد هددت بقصف المنشآت النووية الايرانية، إلا أنها وبعد هزيمتها في صيف 2006 قد انكمشت بشكل ملحوظ، وصارت تميل الى الاعتراف بأن قدراتها المحدودة لا تمكنها من القضاء على البرنامنج النووي الايراني الواسع ناهيك عن ضعف قدراتها الداخلية على امتصاص ضربات انتقامية بالصواريخ من إيران أو من القوى التي يمكن لايران تحريكها ضد اليهود، وأصبحت القناعة الاسرائيلية راسخة بوجوب الاعتماد على أمريكا والغرب في القضاء على التهديد النووي الايراني. وإسرائيل فوق أن القوة الايرانية قد أصبحت فعلاً تردعها عن التفكير من جديد في التوسع فإن هذا التهديد الايراني قد أصبح فعالاً في انخراط اسرائيل النسبي في مشاريع السلام الأمريكية للمنطقة طمعاً في جر الولايات المتحدة لحرب إيران والقضاء على خطرها، وأصبح اليهود يرون من الحكمة التنازل عن الجولان مقابل تفكيك التحالف السوري الايراني وقطع طرق الامدادات السورية للأسلحة الايرانية المرسلة عبر سوريا الى حزب الله ما يعمل على تقليص تهديد حزب الله لليهود من الشمال. بمعنى أن التهديد الايراني آخذ في ربط اسرائيل بإحكام بالعجلة الأمريكية. 

    4.     ومن الفوائد الأخرى للسياسة الأمريكية من إيران أن التصنيف الأمريكي لها بوصفها محوراً من محاور الشر ودولة مارقة وامتلاكها للصواريخ متوسطة المدى يوفر ذريعة للسياسة الأمريكية في أنحاء بعيدة عن الشرق الأوسط، وذلك ظاهر في مبررات واشنطن في نصب شبكة الدرع الصاروخية في تشيكيا وبولندة على الرغم من أن روسيا وليست إيران هي المقصودة من الدرع الصاروخية تلك.

وأخيراً فإن أمريكا لا بد تظن ان إيران توفر لها كنزاً مستقلبياً كبيراً في التصدي لدولة الخلافة الاسلامية، وذلك أن أمريكا وهي تعلم تاريخ الدولة الصفوية ووقوفها ضد الدولة العثمانية فإنها لا بد ستفكر في مكانة ايران في المعادلة القادمة لا سيما وهي أي أمريكا تبرز تخوفاتها بشكل متكرر من بروز دولة الخلافة وأنها تعتبر الخلافة الاسلامية أحد السيناريوهات المتوقعة في العالم وتحتاط لذلك، وفي هذه الحالة فإن الغرب عموماً سيصطف خلف أمريكا في إنشاء دولة صفوية جديدة في المشرق الاسلامي.

نسأل الله سبحانه أن يعجل في فرجه بإقامة دولة الخلافة والتي ستقضي على الوساوس الأمريكية والغربية بإذن الله، إنه سمعيع مجيب.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق